أعظم المواعظ وهو الموت، وقد ذكر في آخر الحديث فائدة الذكر بقوله فإنكم لا تذكرونه في كثير إلا قلله ولا قليل إلا كثره. وفي رواية للديلمي عن أبي هريرة أكثروا ذكر الموت فما من عبد أكثر ذكره إلا أحيى الله قلبه وهون عليه الموت وفي لفظ لابن حبان والبيهقي في شعب الايمان أكثروا ذكر هاذم اللذات فإنه ما ذكره عبد قط في ضيق إلا وسعه ولا في سعة إلا ضيقها وفي حديث أنس عن ابن لآل في مكارم الأخلاق أكثروا ذكر الموت فإن ذلك تمحيص للذنوب وتزهيد في الدنيا وعند البزار أكثروا ذكر هاذم اللذات فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا في سعة إلا ضيقها وعند ابن أبي الدنيا أكثروا من ذكر الموت فإنه يمحق الذنوب ويزهد في الدنيا فإن ذكرتموه عند الغني هدمه وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم.
(وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص) لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد) أي لا فرار ولا محالة كما في القاموس (متمنيا فليقل) بدلا من لفظ التمني الدعاء وتفويض ذلك إلى الله: (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، متفق عليه). الحديث دليل على النهي عن تمني الموت للوقوع في بلاء أو محنة أو خشية ذلك من عدو أو مرض أو فاقة أو نحوها من مشاق الدنيا لما في ذلك من الجزع وعدم الصبر على القضاء وعدم الرضا . وفي قوله لضر نزل به ما يرشد إلى أنه إذا كان لغير ذلك من خوف فتنة في الدين فإنه لا بأس به، وقد دل له حديث الدعاء إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، أو كان تمنيا للشهادة كما وقع ذلك لعبد الله ابن رواحة وغيره من السلف، وكما في قول مريم * (يا ليتني مت قبل هذا) * فإنها إنما تمنت ذلك لمثل هذا الامر المخوف من كفر من كفر وشقاوة من شقي بسببها. وفي قوله: فإن كان لا بد متمنيا يعني إذا ضاق صدره وفقد صبره عدل إلى هذا الدعاء، وإلا فالأولى له أن لا يفعل ذلك.
(وعن بريدة رضي الله عنه) هو ابن الحصيب (أن النبي (ص) قال: المؤمن يموت بعرق) بفتح العين المهملة والراء (الجبين. رواه الثلاثة وصححه ابن حبان) وأخرجه أحمد وابن ماجة وجماعة، وأخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود. وفيه وجهان: أحدهما: أنه عبارة عما يكابده من شدة السياق النزع الذي يعرق دونه جبينه أي يشدد عليه تمحيصا لبقية ذنوبه، والثاني: أنه كناية عن كد المؤمن في طلب الحلال وتضييقه على نفسه بالصوم والصلاة حتى يلقى الله تعالى، فيكون الجار والمجرور في محل النصب على الحال. والمعنى على الأول أن حال الموت ونزوع الروح شديد عليه فهو صفة لكيفية الموت وشدته على المؤمن ، والمعنى على الثاني أن يدركه الموت في حال كونه على هذه الحالة الشديدة التي يعرق منها الجبين فهو صفة للحال التي يفاجئه الموت عليها.
(وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله (ص): لقنوا موتاكم) أي الذين في سياق الموت فهو مجاز (لا إله إلا الله رواه مسلم والأربعة) وهذا