(وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الميت يعذب في قبره بما نيح عليه متفق عليه. أولهما) أي الشيخين كما دل له متفق عليه فإنهما المراد به (نحوه) أي نحو حديث ابن عمر وهو (عن المغيرة بن شعبة). الأحاديث في الباب كثيرة . وفيها دلالة على تعذيب الميت بسبب النياحة عليه. وقد استشكل ذلك لان تعذيبه بفعل غيره . واختلفت الجوابات. فأنكرت عائشة ذلك على عمر وابنه عبد الله واحتجت بقوله تعالى : * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * وكذلك أنكره أبو هريرة. واستبعد القرطبي إنكار عائشة وذكر أنه رواه عدة من الصحابة فلا وجه لإنكارها مع إمكان تأويله، ثم جمع القرطبي بين حديث التعذيب والآية بأن قال: حال البرزخ يلحق بأحوال الدنيا وقد جرى التعذيب فيها بسبب ذنب الغير كما يشير إليه قوله تعالى: * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * فلا يعارض حديث التعذيب، آية * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * لان المراد بها الاخبار عن حال الآخرة واستقواه الشارح. وذهب الأكثرون إلى تأويله بوجوه. الأول: للبخاري أنه يعذب بذلك إذا كان سنته وطريقته وقد أقر عليه أهله في حياته فيعذب لذلك، وإن لم يكن طريقته فإنه لا يعذب. فالمراد على هذا أنه يعذب ببعض بكاء أهله وحاصله أنه قد يعذب العبد بفعل غيره إذا كان له فيه سبب. الثاني: المراد أنه يعذب إذا أوصى أن يبكي عليه وهو تأويل الجمهور قالوا: وقد كان معروفا عند القدماء كما قال طرفة بن العبد:
إذا مت فابكيني بما أنا أهله * وشقي علي الجيب يا ابنة معبد ولا يلزم من وقوع النياحة من أهل الميت امتثالا له أن لا يعذب لو لم يمتثلوا بل يعذب بمجرد الايصاء، فإن امتثلوه وناحوا عذب على الامرين: الايصاء لأنه فعله، والنياحة لأنها بسببه . والثالث: أنه خاص بالكافر وأن المؤمن لا يعذب بذنب غيره أصلا وفيه بعد لا يخفى فإن الكافر لا يحمل عليه ذنب غيره أيضا لقوله تعالى: * (لا تزر وازرة وزر أخرى) *. الرابع: أن معنى التعذيب توبيخ الملائكة للميت بما يندبه به أهله كما روى أحمد من حديث أبي موسى مرفوعا: الميت يعذب ببكاء الحي، إذا قالت النائحة: وا عضداه وا ناصراه وا كاسياه جلد الميت وقال: أنت عضدها؟ أنت ناصرها؟ أنت كاسيها؟ وأخرج معناه ابن ماجة والترمذي. الخامس: أن معنى التعذيب تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة وغيرها فإنه يرق لهم، وإلى هذا التأويل ذهب محمد بن جرير وغيره وقال، القاضي عياض، هو أولى الأقوال واحتجوا بحديث فيه: أنه (ص) زجر امرأة عن البكاء على ابنها وقال: إن أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبه، يا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم. واستدل له أيضا أن أعمال العباد تعرض على موتاهم وهو صحيح. وثمة تأولات أخر وما ذكرناه أشف ما في الباب.
(وعن أنس رضي الله عنه قال: شهدت بنتا للنبي (ص) (تدفن) ورسول الله (ص) جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان رواه البخاري) قد بين الواقدي وغيره في روايته أن البنت أم كلثوم، وقد أورد البخاري قول من قال إنها رقية بأنها ماتت ورسول الله (ص) في بدر لم يشهد (ص) دفنها