والحديث الأول يناسب القول الأول (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما) أي إسلاما، وفي رواية سنا عوضا عن سلما (ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته) بفتح المثناة الفوقية وكسر الراء الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويختص به (إلا بإذنه رواه مسلم).
الحديث دليل على تقديم الأقرأ على الأفقه وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد. وذهب الهادوية إلى أنه يقدم الأفقه على الأقرأ لان الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد تعرض له في الصلاة أمور لا يقدر على مراعاتها إلا كامل الفقه، قالوا : ولهذا قدم (ص) أبا بكر على غيره مع قوله: أقرؤكم أبي، قالوا: والحديث خرج على ما كان عليه حال الصحابة من أن الأقرأ هو الأفقه وقد قال ابن مسعود: ما كنا نتجاوز عشر آيات حتى نعرف حكمها وأمرها ونهيها. ولا يخفى أنه يبعد هذا قوله: فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإنه دليل على تقديم الأقرأ مطلقا، والأقرأ على ما فسروه به هو الأعلم بالسنة فلو أريد به ذلك لكان القسمان قسما واحدا. وقوله: فأقدمهم هجرة هو شامل لمن تقدم هجرة سواء ما كان في زمنه (ص) أو بعده كمن يهاجر من دار الكفار إلى دار الاسلام. وأما حديث لا هجرة بعد الفتح فالمراد من مكة إلى المدينة لأنهما جميعا صارا دار إسلام ولعله يقال: وأولاد المهاجرين لهم حكم آبائهم في التقديم.
وقوله سلما أي من تقدم إسلامه يقدم على من تأخر. وكذا رواية سنا أي الأكبر في السن وقد ثبت في حديث مالك بن الحويرث ليؤمكم أكبركم. ومن الذين يستحقون التقديم قريش لحديث قدموا قريشا: قال الحافظ المصنف: إنه قد جمع طرقه في جزء كبير.
ومنهم الأحسن وجها لحديث ورد به وفيه راو ضعيف. وأما قوله: ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه فهو نهي عن تقديم غير السلطان عليه والمراد ذو الولاية سواء كان السلطان الأعظم أو نائبه وظاهره وإن كان غيره أكثر قرآنا وفقها فيكون هذا خاصا، وأول الحديث عام ، ويلحق بالسلطان صاحب البيت لأنه ورد في صاحب البيت بخصوصه بأنه الأحق.
أخرج الطبراني من حديث ابن مسعود: لقد علمت أن من السنة أن يتقدم صاحب البيت.
قال المصنف: رجاله ثقات. وأما إمام المسجد فإن كان عن ولاية من السلطان أو عامله فهو داخل في حكم السلطان وإن كان باتفاق من أهل المسجد فيحتمل أنه يصير بذلك أحق وأنها ولاية خاصة، وكذلك النهي عن القعود مما يختص به السلطان في منزله أو الرجل من فراش وسرير ونحوه ولا يقعد فيه أحد إلا بإذنه، ونحوه قوله:
(ولابن ماجة من حديث جابر رضي الله عنه ولا تؤمن امرأة رجلا، ولا أعرابي مهاجرا، ولا فاجر مؤمنا وإسناده واه). فيه عبد الله بن محمد العدوي عن علي بن زيد بن جدعان، والعدوي، اتهمه وكيع بوضع الحديث، وشيخه ضعيف، وله طرق أخرى فيها عبد الملك ابن حبيب، وهو متهم بسرقة الحديث وتخليط الأسانيد. وهو يدل على