واعلم أن هذه الغزوة كانت في الرابعة كما ذكرناه وهو الذي قاله ابن إسحاق وغيره من أهل السير والمغازي وتلقاه الناس منهم. قال ابن القيم: وهو مشكل جدا فإنه قد صح أن المشركين حبسوا رسول الله (ص) يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن جميعا وذلك قبل نزول صلاة الخوف. والخندق بعد ذات الرقاع سنة خمس، قال: والظاهر أن أول صلاة صلاها رسول الله (ص) للخوف بعسفان، ولا خلاف بينهم أن عسفان كانت بعد الخندق، وقد صح عنه (ص) أنه صلى صلاة الخوف بذات الرقاع فعلم أنها بعد الخندق وبعد عسفان وقد تبين لنا وهم أهل السير انتهى. ومن يحتج بتقديم شرعيتها على الخندق على رواية أهل السير يقول: إنها لا تصلى صلاة الخوف في الحضر ولذا لم يصلها النبي (ص) يوم الخندق. وهذه الصفة التي ذكرت في الحديث في كيفية صلاتها واضحة وقد ذهب إليها جماعة من الصحابة ومن الآل من بعدهم. واشترط الشافعي أن يكون العدو في غير جهة القبلة. وهذا في الثنائية وإن كانت ثلاثية انتظر في التشهد الأول وتتم الطائفة الركعة الثالثة، وكذلك في الرباعية إن قلنا إنها تصلى صلاة الخوف في الحضر وينتظر في التشهد أيضا. وظاهر القرآن مطابق لما دل عليه هذا الحديث الجليل لقوله (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فيصلوا معك) وهذه الكيفية أقرب إلى موافقة المعتاد من الصلاة في تقليل الأفعال المنافية للصلاة والمتابعة للامام.
(وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (نجد) نجد: كل ما ارتفع من بلاد العرب (فوازينا) بالزاي بعدها مثناة تحتية قابلنا (العدو فصاففناهم فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فصلى بنا) في المغازي من البخاري أنها صلاة العصر ثم لفظ البخاري فصلى لنا باللام قال المصنف في الفتح: أي لأجلنا ولم يذكر أن فيه رواية بالموحدة وفيه يصلي بالفعل المضارع (فقامت طائفة معه وأقبلت طائفة على العدو وركع بمن معه ركعة وسجد سجدتين ثم انصرفوا) أي الذين صلوا معه، ولم يكونوا أتوا بالركعة الثانية ولا سلموا من صلاتهم (مكان الطائفة التي لم تصل فجاؤوا فركع بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين. متفق عليه وهذا لفظ البخاري). قال المصنف: لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا ويحتمل أنهم أتموا في حالة واحدة ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا استلزم تضييع الحراسة المطلوبة وإفراد الامام وحده ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود بلفظ ثم سلم فقام هؤلاء أي الطائفة الثانية فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا انتهى. والطائفة تطلق على القليل والكثير حتى على الواحد حتى لو كانوا ثلاثة جاز للامام أن يصلي بواحد والثالث يحرس ثم يصلي مع الامام وهذا أقل ما تحصل به جماعة الخوف. وظاهر الحديث أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتت الطائفة الأولى بعدها، وقد ذهب إلى هذه الكيفية أبو حنيفة ومحمد.