بأنه يترك يقين نفسه ويتابع حكم الناس إلا محمد بن الحسن الشيباني وأن الجمهور يقولون إنه يتعين عليه حكم نفسه فيما يتيقنه فناقض هنا ما سلف. وسبب الخلاف: قول ابن عباس لكريب إنه لا يعتقد برؤية الهلال وهو بالشام بل يوافق أهل المدينة فيصوم الحادي والثلاثين باعتبار رؤية الشام لأنه يوم الثلاثين عند أهل المدينة. وقال: ابن عباس إن ذلك من السنة.
وتقدم الحديث وليس بنص فيما احتجوا به لاحتماله كما تقدم فالحاصل أن يعمل بيقين نفسه صوما وإفطارا ويحسن التكتم بهما صونا للعباد عن إثمهم بإساءة الظن به (ولمسلم) أي عن ابن عمر (فإن أغمي عليك فاقدروا له ثلاثين وللبخاري أي عن ابن عمر (فأكملوا العدة ثلاثين). قوله فاقدروا له هو أمر همزته همزة وصل، وتكسر الدال وتضم ، وقيل: الضم خطأ، وفسر المراد به قوله فاقدروا له ثلاثين وأكملوا العدة ثلاثين، والمعنى أفطروا يوم الثلاثين واحسبوا تمام الشهر وهذا أحسن تفاسيره وفيه تفاسير أخر نقلها الشارح خارجة عن ظاهر المراد من الحديث. قال ابن بطال: في الحديث دفع لمراعاة المنجمين وإنما المعول عليه رؤية الأهلة وقد نهينا عن التكلف، وقد قال الباجي - في الرد على من قال إنه يجوز للحاسب والمنجم وغيرهما الصوم والافطار اعتمادا على النجوم -: إن إجماع السلف حجة عليهم، وقال ابن بزيزة: هو مذهب باطل قد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع. قال الشارح: قلت: والجواب الواضح عليهم ما أخرجه البخاري عن ابن عمر أنه صلى (ص) قال: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا. يعني تسعا وعشرين مرة وثلاثين مرة.
(وله) أي البخاري (في حديث أبو هريرة فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) وهو تصريح بمفاد الامر بالصوم لرؤيته في رواية فإن غم فأكملوا العدة أي عدة شعبان . وهذه الأحاديث نصوص في أنه لا صوم ولا إفطار إلا بالرؤية للهلال أو إكمال العدة.
(وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي (ص) أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه رواه أبو داود وصححه الحاكم ابن حبان) الحديث دليل على العمل بخبر الواحد في الصوم دخولا فيه وهو مذهب طائفة من أئمة العلم . ويشترط فيه العدالة. وذهب آخرون: إلى أنه لا بد من الاثنين لأنها شهادة، واستدلوا بخبر رواه النسائي عن عبد الرحمن بن الخطاب أنه قال جالست أصحاب رسول الله (ص) وسألتهم وحدثوني أن رسول الله (ص) قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما إلا أن يشهد شاهدان فدل بمفهومه أنه لا يكفي الواحد. وأجيب عنه بأنه مفهوم والمنطوق الذي أفاده حديث ابن عمر وحديث الاعرابي الآتي أقوى منه، ويدل على قبول خبر الواحد فيقبل بخبر المرأة والعبد. وأما الخروج منه فالظاهر أن الصوم والافطار في كفاية خبر الواحد. وأما حديث ابن عباس وابن عمر أنه (ص) أجاز خبر واحد على هلال رمضان، وكان لا يجيز شهادة الافطار إلا بشهادة رجلين فإنه ضعفه الدارقطني وقال: تفرد به حفص بن عمر الأيلي وهو ضعيف. ويدل لقبول خبر الواحد في الصوم دخولا أيضا قوله: