أو لكونه كان وإماما أول الصلاة أو لكون الصف قد ضاق، أو لغير ذلك من المحتملات، ومع عدم الدليل على أنه فعل لواحد منها فالظاهر الجواز على الاطلاق. وقولها: يقتدي أبو بكر يحتمل أن يكون ذلك الاقتداء على جهة الائتمام فيكون أبو بكر إماما ومأموما ويحتمل أن يكون أبو بكر إنما كان مبلغا وليس بإمام. واعلم أنه قد وقع الاختلاف في حديث عائشة وفي غيره هل كان النبي (ص) إماما أو مأموما ووردت الروايات بما يفيد هذا وما يفيد هذا، لكنا قدمنا ظهور أنه (ص) كان الامام، فمن العلماء من ذهب إلى الترجيح بين الروايات فرجح أنه (ص) كان الامام لوجوه من الترجيح مستوفاة في فتح الباري. وفي الشرح بعض من ذلك. وتقدم في شرح الحديث التاسع بعض وجوه ترجيح خلافه. ومن العلماء من قال بتعدد القصة وأنه (ص) صلى تارة إماما وتارة مأموما في مرض موته. هذا: وقد استدل بحديث عائشة هذا وقولها: يقتدي أبو بكر بصلاة النبي (ص) ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر أن أبا بكر كان مأموما إماما: وقد بوب البخاري على هذا فقال: باب الرجل يأتم بالامام ويأتم الناس بالمأموم.
قال ابن بطال: هذا يوافق قول مسروق والشعبي أن الصفوف يؤم بعضها بعضا خلافا للجمهور. قال المصنف: قال الشعبي فيمن أحرم قبل أن يرفع الصف الذي يليه رؤوسهم من الركعة أنه أدركها ولو كان الامام رفع قبل ذلك لان بعضهم لبعض أئمة. فهذا يدل أنه يرى أنهم متحملون عن بعضهم بعضا ما يتحمله الامام. ويؤيد ما ذهب إليه قوله (ص) : تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم وقد تقدم. وفي رواية مسلم أن أبا بكر كان يسمعهم التكبير دليل على أنه يجوز رفع الصوت بالتكبير لاسماع المأمومين فيتبعونه ، وأنه يجوز للمقتدي اتباع صوت المكبر، وهذا مذهب الجمهور وفيه خلاف للمالكية. قال القاضي عياض عن مذهبهم: إن منهم من يبطل صلاة المقتدي ومنهم من لا يبطلها ومنهم من قال إن أذن له الامام بالاسماع صح الاقتداء به وإلا فلا، ولهم تفاصيل غير هذه ليس عليها دليل، وكأنهم يقولون في هذا الحديث إن أبا بكر كان هو الامام ولا كلام أنه يرفع صوته لاعلام من خلفه.
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة) وهؤلاء يريدون التخفيف فيلاحظهم الامام (فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء متفق عليه) مخففا ومطولا. وفيه دليل على جواز تطويل المنفرد للصلاة في جميع أركانها ولو خشي خروج الوقت، وصححه بعض الشافعية، ولكنه معارض بحديث أبي قتادة إنما التفريط أن تؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى أخرجه مسلم فإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل، ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة ترك المفسدة أولى. ويحتمل أنه إنما يريد بالمؤخر حتى يخرج الوقت من لم يدخل في الصلاة أصلا حتى خرج، وأما من خرج وهو في الصلاة فلا يصدق عليه ذلك.