قال: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم وفيه دخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة.
(عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهما سمعا رسول الله (ص) يقول على أعواد منبره) أي منبره الذي من عود، لا على الذي كان من الطين، ولا على الجذع الذي كان يستند إليه، وهذا المنبر عمل له (ص) سنة سبع وقيل سنة ثمان، عمله له غلام امرأة من الأنصار كان نجارا واسمه على أصح الأقوال ميمون، كان على ثلاث درج ولم يزل عليه حتى زاده مروان في زمن معاوية ست درج من أسفله، وله قصة في زيادته، وهي أن معاوية كتب إليه أن يحمله إلى دمشق فأمر به فقلع فأظلمت المدينة فخرج مروان فخطب فقال: إنما أمرني أمير المؤمنين أن أرفعه، وقال: إنما زدت عليه لما كثر الناس ولم يزل كذلك حتى احترق المسجد النبوي سنة أربع وخمسين وستمائة فاحترق (لينتهين أقوام عن ودعهم) بفتح الواو وسكون الدال المهملة وكسر العين المهملة أي تركهم (الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم) الختم الاستيثاق من الشئ بضرب الخاتم عليه كتما له وتغطية لئلا يتوصل إليه، ولا يطلع عليه، شبهت القلوب بسبب إعراضهم عن الحق واستكبارهم عن قبوله وعد نفوذ الحق إليها بالأشياء التي استوثق عليها بالختم فلا ينفذ إلى باطنها شئ، وهذه عقوبة على عدم الامتثال لأمر الله، وعدم إتيان الجمعة من باب تيسير العسري (ثم ليكونن من الغافلين رواه مسلم) بعد ختمه تعالى عن قلوبهم فيغفلون عن اكتساب ما ينفعهم من الأعمال وعن ترك ما يضرهم منها. وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن ترك الجمعة والتساهل فيها. وفيه إخبار بأن تركها من أعظم أسباب الخذلان بالكلية. والاجماع قائم على وجوبها على الاطلاق والأكثر أنها فرض عين وقال في معالم السنن: إنها فرض كفاية عند الفقهاء.
(وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع رسول الله (ص) يوم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به. متفق عليه واللفظ للبخاري في لفظ لمسلم) أي من رواية سلمة (كنا نجمع معه) أي النبي (ص) (إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفئ). الحديث دليل على المبادرة بصلاة الجمعة عند أول زوال الشمس، والنفي في قوله وليس للحيطان ظل متوجه إلى القيد وهو قوله يستظل به لا نفي لأصل الظل حتى يكون دليلا على أنه صلاها قبل زوال الشمس، وهذا التأويل معتبر عند الجمهور القائلين بأن وقت الجمعة هو وقت الظهر. وذهب أحمد وإسحاق إلى صحة صلاة الجمعة قبل الزوال. واختلف أصحاب أحمد فقال بعضهم: وقتها وقت صلاة العيد، وقيل الساعة السادسة . وأجاز مالك الخطبة قبل الزوال دون الصلاة وحجتهم ظاهر الحديث وما بعده وأصرح منه ما أخرجه أحمد ومسلم من حديث جابر: أن النبي (ص) كان يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس يعني النواضح، وأخرج الدارقطني عن عبد الله بن سيدان قال: شهدت مع أبي بكر الجمعة فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار