فلي يقال لها كدى بضم القاف والقصر عند باب الشبيكة ويقول أهل مكة: افتح وادخل وضم واخرج. ووجه دخوله صلى الله عليه وسلم من الثنية العليا ما روي أنه قال أبو سفيان: لا أسلم حتى الخيل تطلع من كداء فقال له العباس: ما هذا؟ قال:
شئ طلع بقلبي وإن الله لا يطلع الخيل من هنالك أبدا قال العباس: فذكرت أبا سفيان بذلك لما دخل رسول الله (ص) منها وعند البيهقي من حديث ابن عمر قال:
قال رسول الله (ص): كيف قال حسان فأنشده شعرا:
عدمت بنيتي إن لم تروها * تثير النقع مطلعها كداء فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: ادخلوها من حيث قال حسان. واختلف في استحباب الدخول من حيث دخل (ص) والخروج من حيث خرج فقيل: يستحب وأنه يعدل إليه من لم يكن طريقه عليه، وقال البعض: وإنما فعله (ص) لأنه كان على طريقه فلا يستحب لمن لم يكن كذلك. وقال ابن تيمية: يشبه أن يكون ذلك والله أعلم أن الثنية العليا التي تشرف على الأبطح والمقابر إذا دخل منها الانسان فإنه يأتي من وجهة البلد والكعبة ويستقبلها استقبالا من غير انحراف، بخلاف الذي يدخل من الناحية السفلى، لأنه يستدبر البلد والكعبة فاستحب أن يكون ما يليه منها مؤخرا لئلا يستدبر وجهها.
(وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يقدم مكة إلا بات) ليلة قدومه (بذي طوى) في القاموس مثلثة الطاء وينون موضع قرب مكة (حتى يصبح ويغتسل، ويذكر ذلك عن النبي (ص)) أي أنه فعله (متفق عليه). فيه استحباب ذلك وأنه يدخل مكة نهارا وهو قول الأكثر. وقال جماعة من السلف غيرهم:
الليل والنهار سواء، والنبي (ص) دخل مكة في عمرة الجعرانة ليلا. وفيه دلالة على استحباب الغسل لدخول مكة.
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه رواه الحاكم مرفوعا والبيهقي موقوفا. وحسنه أحمد، وقد رواه الأزرقي بسنده إلى محمد بن عباد بن جعفر قال: رأيت ابن عباس جاء يوم التروية وعليه حلة، مرجلا رأسه، فقبل الحجر الأسود وسجد عليه، ثم قبله وسجد عليه ثلاثا، رواه أبو يعلى بسنده من حديث أبي داود الطيالسي عن جعفر بن عثمان المخزومي قال: رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه ، وقال: رأيت خالي ابن عباس يقبل الحجر ويسجد عليه. وقال: رأيت عمر يقبل الحجر ويسجد عليه وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، وحديث عمر في صحيح مسلم: أنه قبل الحجر والتزمه وقال: رأيت رسول الله (ص) بك حفيا يؤيد هذا ففيه شرعية تقبيل الحجر والسجود عليه.