نحر بيده الشريفة ثلاثا وستين بدنة وكان معه مائة بدنة فأمر عليا عليه السلام بنحر باقيها ثم ركب إلى مكة فطاف طواف الإفاضة وهو الذي يقال له طواف الزيارة ومن بعده يحل له كل ما حرم بالاحرام حتى وطئ النساء، وأما إذا رمى جمرة العقبة ولم يطف هذا الطواف فإنه يحل له ما عدا النساء، فهذه الجمل من السنن والآداب التي أفادها هذا الحديث الجليل من أفعاله صلى الله عليه وسلم تبين كيفية أعمال الحج وفي كثير مما دل عليه هذا الحديث الجليل مما سقناه خلاف بين العلماء كثير، في وجوبه وعدم وجوبه، وفي لزوم الدم بتركه وعدم لزومه، وفي صحة الحج إن ترك منه شيئا وعدم صحته، وقد طول بذكر ذلك في الشرح، واقتصرنا على ما أفاده الحديث فالآتي بما اشتمل عليه هو الممتثل لقوله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني مناسككم والمقتدي به في أفعاله وأقواله.
(وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه: أن النبي (ص) كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار رواه الشافعي بإسناد ضعيف. سقط هذا الحديث من نسخة الشارح التي وقفنا عليها فلم يتكلم عليه ووجه ضعفه أن فيه: صالح بن محمد بن أبي زائدة أبو واقد الليثي ضعفوه. والحديث دليل على استحباب الدعاء بعد الفراغ من كل تلبية يلبيها المحرم في أي حين بهذا الدعاء ونحوه ويحتمل أن المراد بالفراغ منها انتهاء وقت مشروعيتها وهو عند رمي جمرة العقبة، والأول أوضح.
(وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): نحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم) جمع رحل وهو المنزل (ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) وحد عرفة ما خرج وادي عرفة إلى الجبال المقابلة مما يلي بني عامر (ووقفت ههنا وجمع كلها موقف رواه مسلم) أفاد (ص) أنه لا يتعين على أحد نحره حيث نحر، ولا وقوفه بعرفة، ولا جمع حيث وقف، بل ذلك موسع عليهم حيث نحروا في أي بقعة من بقاع منى، فإنه يجزئ عنهم، وفي أي بقعة من بقاع عرفه وجمع وقفوا أجزأ، وهذه زيادات في بيان التخفيف عليهم، وقد كان (ص) أفاده تقريره لمن حج معه ممن لم يقف في موقفه ولم ينحر من منحره إذ من المعلوم أنه حج معه أمم لا تحصى، ولا يتسع لها مكان وقوفه ونحره، هذا والدم الذي محله منى هو دم القران والتمتع. والاحصار والافساد والتطوع بالهدى وأما الذي يلزم المعتمر فمحله مكة وأما سائر الدماء اللازمة من الجزاءات فمحلها الحرم المحرم وفي ذلك خلاف معروف.
(وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي (ص) لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها متفق عليه. هذا إخبار عن دخوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فإنه دخلها من محل يقال له كداء بفتح الكاف والمد غير منصرف، وهي الثنية التي ينزل منها إلى المعلاة مقبرة أهل مكة وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر المؤيد في حدود عشرين وثمانمائة، وأسفل مكة هي التثنية