كلام ابن عباس من أقام سبعة عشر قصر ومن أقام أكثر أتم. وقد اختلف العلماء في قدر مد الإقامة التي إذا عزم المسافر على إقامتها أتم فيها الصلاة على أقوال. فقال ابن عباس وإليه ذهب الهادوية: إن أقل مدة الإقامة عشرة أيام لقول علي عليه السلام: إذا أقمت عشرا فأتم الصلاة أخرجه المؤيد في شرح التجريد من طرق فيها ضرار بن صرد قال المصنف في التقريب: إنه غير ثقة. قالوا: وهو توقيف. وقالت الحنفية: خمسة عشر يوما مستدلين بإحدى روايات ابن عباس وبقوله وقول ابن عمر: إذا قدمت بلدة وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة. وذهبت المالكية والشافعية إلى أن أقلها أربعة أيام وهو مروي عن عثمان والمراد غير يوم الدخول والخروج، واستدلوا بمنعه (ص) المهاجرين بعد مضي النسك أن يزيدوا عن ثلاثة أيام في مكة فدل على أنه بالأربعة الأيام يصير مقيما، وثم أقوال أخر لا دليل عليها. وهذا كله فيمن دخل البلد عازما على الإقامة فيها. وأما من تردد في الإقامة ولم يعزم ففيه خلاف أيضا. فقالت الهادوية : يقصر إلى شهر لقول علي عليه السلام: إنه من يقول: اليوم أخرج، غدا أخرج. يقصر الصلاة شهرا. وذهب أبو حنيفة وأصحابه وهو قول للشافعي وقال به الامام يحيى إلى أنه يقصر أبدا إذ الأصل السفر، ولفعل ابن عمر فإنه أقام بآذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، وروي عن أنس بن مالك أنه أقام بنيسابور سنة أو سنتين يقصر الصلاة، وعن جماعة من الصحابة أنهم أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة. ومنهم من قدر ذلك بخمسة عشر وسبعة عشر وثمانية عشر على حسب ما وردت الروايات في مدة إقامته (ص) في مكة وتبوك وأنه بعد ما يجاوز مدة ما روي عنه (ص) يتم صلاته. ولا يخفى أنه لا دليل في المدة التي قصر فيها على نفي القصر فيما زاد عليها، وإذا لم يقم دليل على تقدير المدة فالأقرب أنه لا يزال يقصر كما فعله الصحابة، لأنه لا يسمى بالبقاء مع التردد كل يوم في الإقامة والرحيل مقيما وإن طالت المدة، ويؤيده ما أخرجه البيهقي في السنن عن ابن عباس: أنه (ص) أقام بتبوك أربعين يوما يقصر الصلاة. ثم قال: تفرد به الحسين بن عمارة وهو غير محتج به.
(وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله (ص) إذا ارتحل في سفره قبل أن تزيغ الشمس) أي قبل الزوال (أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر) أي وحده ولا يضم إليه العصر (ثم ركب. متفق عليه). الحديث فيه دليل على جواز الجمع بين الصلاتين للمسافر تأخيرا، ودلالة على أنه لا يجمع بينهما تقديما، لقوله صلى الظهر إذ لو جاز مع التقديم لضم إليه العصر، وهذا الفعل منه (ص) يخصص أحاديث التوقيت التي مضت . وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب الهادوية وهو قول ابن عباس وابن عمر وجماعة من الصحابة، وروي عن مالك وأحمد والشافعي إلى جواز الجمع للمسافر تقديما وتأخيرا عملا بهذا الحديث في التأخير وبما يأتي في التقديم. وعن الأوزاعي أنه يجوز للمسافر جمع التأخير فقط