بعد الموت العقر عند القبر لورود النهي عنه، فإنه أخرج أحمد وأبو داود من حديث أنس : أن النبي (ص) قال: لا عقر في الاسلام. قال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة، قال الخطابي: كان أهل الجاهلية يعقرون الإبل على قبل الرجل يقولون نجازيه على فعله لأنه كان يعقرها في حياته فيطعمها الأضياف ونحن نعقرها عند قبره حتى تأكلها السباع والطير فيكون مطعما بعد وفاته كما كان يطعم في حياته. ومنهم من كان يذهب إلى أنه إذا عقرت راحلته عند قبره حشر في القيامة راكبا ومن لم يعقر عنده حشر راجلا وكان هذا على مذهب من يقول منهم بالبعث فهذا فعل جاهلي محرم.
(وعن سليمان بن بريدة رضي الله عنه) هو الأسلمي روى عن أبيه وعمران بن حصين وجماعة مات سنة خمس عشرة ومائة (عن أبيه) أي بريدة (قال: كان رسول الله (ص) يعلمهم) أي الصحابة (إذا خرجوا إلى المقابر) أي (أن يقولوا: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية. رواه مسلم) وأخرجه أيضا من حديث عائشة وفيه زيادة ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين. والحديث دليل على شرعية زيارة القبور والسلام على من فيها من الأموات وأنه بلفظ السلام على الاحياء. قال الخطابي: فيه أن اسم الدار يقع على المقابر وهو صحيح فإن الدار في اللغة تقع على الرابع المسكون وعلى الخراب غير المأهول . والتقييد بالمشيئة للتبرك وامتثالا لقوله تعالى: * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * وقيل المشيئة عائدة إلى تلك التربة بعينها. وسؤاله العافية دليل على أنها من أهم ما يطلب وأشرف ما يسئل، والعافية للميت بسلامته من العذاب ومناقشة الحساب. ومقصود زيارة القبور : الدعاء لهم والاحسان إليهم وتذكر الآخرة والزهد في الدنيا، وأما ما أحدثه العامة من خلاف ، كدعائهم الميت والاستصراخ به والاستغاثة به وسؤال الله بحقه وطلب الحاجات إليه تعالى به فهذا من البدع والجهالات وتقدم شئ من هذا.
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله (ص) بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم ، أنتم سلفنا ونحن بالأثر رواه الترمذي وقال حسن) فيه أنه يسلم عليهم إذا مر بالمقبرة وإن لم يقصد الزيادة لهم. وفيه أنهم يعلمون بالمار بهم وسلامه عليهم وإلا كان إضاعة . وظاهره في جمعة وغيرها وفي الحديثين - الأول وهذا - دليل أن الانسان إذا دعا لاحد أو استغفر له يبدأ بالدعاء لنفسه والاستغفار لها، وعليه وردت الأدعية القرآنية * (ربنا اغفر لنا ولإخواننا) * * (واستغفر لذنبك وللمؤمنين) * وغير ذلك. وفيه أن هذه الأدعية ونحوها نافعة للميت بلا خلاف وأما غيرها من قراءة القرآن له فالشافعي يقول: لا يصل ذلك إليه. وذهب أحمد وجماعة من العلماء إلى وصول ذلك إليه. وذهب جماعة من أهل السنة والحنفية إلى أن للانسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة كان أو صوما أو حجا أو صدقة أو قراءة قرآن