المنهي عنه. قلت: ومنه النعي من أعلى المنارات كما يعرف في هذه الاعصار في موت العظماء. قال ابن العربي: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات (الأولى) إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة. (الثانية) دعوى الجمع الكثير للمفاخرة فهذه تكره. (الثالثة) إعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم انتهى. وكأنه أخذ سنية الأولى من أنه لا بد من جماعة يخاطبون بالغسل والصلاة والدفن ويدل له قوله (ص): ألا آذنتموني ونحوه، ومنه:
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) نعى النجاشي) بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم مثناة تحتية مشددة وقيل مخففة، لقب لكل من ملك الحبشة واسمه أصحمة (في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى) يحتمل أنه مصلى العيد أو محل اتخذ لصلاة الجنائز (فصف بهم وكبر عليه أربعا، متفق عليه). فيه دلالة على أن النعي اسم للاعلام بالموت وأنه لمجرد الاعلام جائز. وفيه دلالة على شرعية صلاة الجنازة على الغائب، وفيه أقوال: الأول: تشرع مطلقا وبه قال الشافعي وأحمد وغيرهما وقال ابن حزم لم يأت عن أحد من السلف خلافه. والثاني: منعه مطلقا وهو للهادوية والحنفية ومالك. والثالث: يجوز في اليوم الذي مات فيه الميت أو ما قرب منه إلا إذا طالت المدة.
الرابع: يجوز ذلك إذا كان الميت في جهة القبلة، ووجه التفصيل في القولين معا الجمود على قصة النجاشي. وقال المانع له مطلقا: إن صلاته (ص) على النجاشي خاصة به ، وقد عرف أن الأصل عدم الخصوصية واعتذروا بما قاله أهل القول الخامس وهو أن يصلى على الغائب إذا مات بأرض لا يصلى عليها فيها كالنجاشي فإنه مات بأرض لم يسلم أهلها واختاره ابن تيمية، ونقله المصنف في فتح الباري عن الخطابي وأنه استحسنه الروياني، ثم قال: وهو محتمل إلا أنني لم أقف في شئ من الاخبار أنه لم يصل عليه في بلده أحد واستدل بالحديث على كراهة الصلاة على الجنازة في المسجد، لخروجه (ص) . والقول بالكراهة للحنفية والمالكية، ورد بأنه لم يكن في الحديث نهي عن الصلاة فيه، وبأن الذي كرهه القائل بالكراهة إنما هو إدخال الميت المسجد وإنما خرج (ص) تعظيما لشأن النجاشي ولتكثر الجماعة الذين يصلون عليه. وفيه شرعية الصفوف على الجنازة لأنه أخرج البخاري في هذه القصة حديث جابر وأنه كان في الصف الثاني أو الثالث وبوب له البخاري باب من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة خلف الامام. وفي الحديث من أعلام النبوة إعلامهم بموته في اليوم الذي توفي فيه مع بعد ما بين المدينة والحبشة.
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا لا شفعهم الله فيه رواه مسلم) في الحديث دليل على فضيلة تكثير الجماعة على الميت. وأن شفاعة المؤمن نافعة مقبولة عنده تعالى وفي رواية ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون كلهم مائة: كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه. وفي رواية ثلاثة صفوف رواها أصحاب السنن. قال القاضي