بالبيت الحديث فإنه صريح أنها كانت متلبسة بحج وعمرة ويتعين تأويل قوله صلى الله عليه وسلم: ارفضي عمرتك بما ذكره النووي، فليس معنى ارفضي العمرة الخروج منها وإبطالها بالكلية فإن الحج والعمرة لا يصح الخروج منهما بعد الاحرام بهما بنية الخروج ، وإنما يصح بالتحلل منهما بعد فراغهما.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي (ص) لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه الحاكم. فيه دليل أنه لا يشرع الرمل الذي سلفت مشروعيته في طواف القدوم في طواف الزيارة وعليه الجمهور.
(وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي (ص) صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة بالمحصب). بالمهملتين فموحدة بزنة مكرم اسم مفعول: الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح وهو خيف بني كنانة (ثم ركب إلى البيت فطاف به) أي طواف الوداع (رواه البخاري) وكان ذلك يوم النحر الآخر وهو ثالث أيام التشريق فإنه (ص) رمى الجمار يوم النحر بعد الظهر وأخر صلاة الظهر حتى وصل المحصب ثم صلى الصلوات فيه كما ذكر. واختلف السلف والخلف هل التحصيب سنة أم لا؟ فقيل : سنة. وقيل: لا، إنما هو منزل نزله النبي (ص) وقد فعله الخلفاء بعده تأسيا به (ص). وذهب ابن عباس إلى أنه ليس من المناسك المستحبة، وإلى مثله ذهبت عائشة كما دل له الحديث وهو قوله.
(وعن عائشة رضي الله عنها أنها لم تكن تفعل ذلك: أي النزول بالأبطح، وتقول : إنما نزله رسول الله (ص) لأنه كان منزلا أسمح لخروجه رواه مسلم. أي أسهل لخروجه من مكة راجعا إلى المدينة، قيل: والحكمة في نزوله فيه إظهار نعمة الله باعتزاز دينه ، وإظهار كلمته، وظهوره على الدين كله، فإن هذا المحل هو الذي تقاسمت فيه قريش على قطيعة بني هاشم وكتبوا صحيفة القطيعة في القصة المعروفة. وإذا كانت الحكمة هي هذه فهي نعمة عل الأمة أجمعين فينبغي نزوله لمن حج من الأمة إلى يوم الدين.
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال أمر) بضم الهمزة (الناس) نائب الفاعل (أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض. متفق عليه) الآمر للناس هو النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك المخفف عن الحائض، وغير الراوي الصيغة، للعلم بالفاعل ، وقد أخرجه مسلم وأحمد عن ابن عباس بلفظ: كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت. وهو دليل على وجوب طواف الوداع، وبه قال جماهير السلف والخلف وخالف الناصر ومالك وقالا:
لو كان واجبا لما خفف عن الحائض، وأجيب بأن التخفيف دليل الايجاب، إذ لو لم يكن واجبا لما أطلق عليه لفظ التخفيف والتخفيف عنها دليل على أنه لا يجب عليها فلا تنظر الطهر ولا يلزمها دم بتركه لأنه ساقط عنها من أصله. ووقت طواف الوداع من ثالث النحر فإنه يجزئ إجماعا وهل يجزئ قبله؟ والأظهر عدم إجزائه لأنه آخر المناسك واختلفوا إذا أقام