من ثياب الحرير وعطفه عليه من عطف الخاص على العام. وأما الجلوس على الحرير فقد أفاد الحديث النهي عنه إلا أنه قال المصنف في الفتح: إنه قد أخرج البخاري ومسلم حديث حذيفة من غير وجه وليس فيه هذه الزيادة وهي قوله: وأن نجلس عليه قال:
وهي حجة قوية لمن قال يمنع الجلوس على الحرير وهو قول الجمهور خلافا لابن الماجشون والكوفيين وبعض الشافعية، وقال بعض الحنفية في الدليل على عدم تحريم الجلوس على الحرير: إن قوله نهى ليس صريحا في التحريم، وقال بعضهم: إنه يحتمل أن يكون المنع ورد عن مجموع اللبس والجلوس لا الجلوس وحده. (قلت: ولا يخفى تكلف هذا القائل والاخراج عن الظاهر بلا حاجة) وقال بعض الحنفية: مدار الجواز والتحريم على اللبس لصحة الاخبار فيه والجلوس ليس بلبس، واحتج الجمهور على أنه يسمى الجلوس لبسا بحديث أنس الصحيح: فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس ولان لبس كل شئ بحسبه. وأما افتراش النساء للحرير فالأصل جوازه وقد أحل لهن لبسه ومنه الافتراش ومن قال بمنعهن عن افتراشه فلا حجة له. واختلف في علة تحريم الحرير على قولين:
الأول الفخر والخيلاء والثاني كونه لباس رفاهية وزينة تليق بالنساء دون شهامة الرجال.
(وعن عمر رضي الله عنه قال: نهى النبي (ص) عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع متفق عليه واللفظ لمسلم) قال المصنف:
أو هنا للتخيير والتنويع. وقد أخرج الحديث ابن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ إن الحرير لا يصلح منه إلا هكذا وهكذا وهكذا يعني إصبعين وثلاثا وأربعا ومن قال المراد أن يكون في كل كم إصبعان فإنه يرده رواية النسائي لم يرخص في الديباج إلا في موضع أربعة أصابع وهذا - أي الترخيص في الأربع الأصابع - مذهب الجمهور. وعن مالك في رواية منعه وسواء كان منسوجا أو ملصقا ويقاس عليه الجلوس. وقدرت الهادوية الرخصة بثلاث أصابع لكن هذا الحديث نص في الأربع.
(وعن أنس رضي الله عنه أن النبي (ص) رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص الحرير من حكة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الكاف نوع من الجرب وذكر الحكة مثلا لا قيدا أي من أجل حكة، فمن للتعليل (كانت بهما. متفق عليه) وفي رواية أنهما شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القمل فرخص لهما في قميص الحرير في غزاة لهما. قال المصنف في الفتح: يمكن الجمع بأن الحكة حصلت من القمل فنسبت العلة تارة إلى السبب وتارة إلى سبب السبب. وقد اختلف العلماء في جوازه للحكة وغيرها. فقال الطبري: دلت الرخصة في لبسه للحكة على أن من قصد بلبسه دفع ما هو أعظم من أذى الحكة كدفع السلاح ونحو ذلك فإنه يجوز. والقائلون بالجواز لا يخصونه بالسفر.
وقال البعض من الشافعية: يختص به. وقال القرطبي: الحديث حجة على من منع إلا أن يدعي الخصوصية بالزبير وعبد الرحمن ولا تصح تلك الدعوى. وقال مالك وأبو حنيفة:
لا يجوز مطلقا. وقال الشافعي بالجواز للضرورة، ووقع في كلام الشارح تبعا للنووي أن