فقال: إني أخشاكم لله فدل على أنه لا فرق بين الشاب والشيخ وإلا لبينه (ص) لعمر، لا سيما وعمر كان في ابتداء تكليفه. وقد ظهر مما عرفت أن الإباحة أقوى الأقوال . ويدل لذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث عمر بن الخطاب قال: هششت يوما فقبلت وأنا صائم فأتيت النبي (ص) فقلت: صنعت اليوم أمرا عظيما، فقبلت وأنا صائم فقال رسول الله (ص): أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟
قلت: لا بأس بذلك، فقال رسول الله (ص): ففيم. انتهى. قوله: هششت بفتح الهاء وكسر الشين المعجمة بعدها شين معجمة ساكنة معناه ارتحت وخففت. واختلفوا أيضا فيما إذا قبل أو نظر أو باشر فأنزل أو أمذى: فعن الشافعي وغيره: أنه يقضي إذا أنزل في غير النظر ولا قضاء في الامذاء. وقال مالك: يقضي في كل ذلك ويكفر إلا في الامذاء فيقضي فقط. وثمة خلافات أخر الأظهر أنه لا قضاء ولا كفارة إلا على من جامع، وإلحاق غير المجامع به بعيد.
تنبيه: قوله وهو صائم: لا يدل أنه قبلها وهي صائمة، وقد أخرج ابن حبان في صحيحه عن عائشة: كان يقبل بعض نسائه في الفريضة والتطوع. ثم ساق بإسناده أن النبي (ص) كان لا يمس وجهها وهي صائمة وقال: ليس بين الخبرين تضاد لأنه كان يملك إربه ونبه بفعله ذلك على جواز هذا الفعل لمن هو بمثابة حاله وترك استعماله إذا كانت المرأة صائمة علما منه بما ركب في النساء من الضعف عند الأشياء التي ترد عليهن انتهى.
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم رواه البخاري. قيل: ظاهره أنه وقع منه الأمران المذكوران مفترقين وأنه احتجم وهو صائم واحتجم وهو محرم ولكنه لم يقع ذلك في وقت واحد لأنه لم يكن صائما في إحرامه، إذا أراد إحرامه وهو في حجة الوداع إذ ليس في رمضان ولا كان محرما في سفره في رمضان عام الفتح ولا في شئ من عمره التي اعتمرها، وإن احتمل أنه صام نفلا إلا أنه لم يعرف ذلك. وفي الحديث روايات. وقال أحمد: إن أصحاب ابن عباس لا يذكرون صياما، وقال أبو حاتم: أخطأ فيه شريك إنما هو احتجم وأعطى الحجام أجرته ، وشريك حدث به من حفظه وقد ساء حفظه فعلى هذا الثابت إنما هو الحجامة. والحديث يحتمل أنه إخبار عن كل جملة على حدة وأن المراد احتجم وهو محرم في وقت، واحتجم وهو صائم في وقت آخر، والقرينة على هذا معرفة أنه لم يتفق له اجتماع الاحرام والصيام وأما تغليط شريك وانتقاده على ذلك اللفظ فأمر بعيد والحمل على صحة لفظ روايته مع تأويلها أولى. وقد اختلف فيمن احتجم وهو صائم فذهب إلى أنها لا تفطر الصائم: الأكثر من الأئمة. وقالوا: إن هذا ناسخ لحديث شداد بن أوس وهو:
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي (ص) أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان فقال: أفطر الحاجم والمحجوم رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه أحمد وابن خزيمة وابن حبان. الحديث قد صححه البخاري وغيره وأخرجه الأئمة عن ستة عشر من