من المسألة يا قبيصة سحت) بضم السين المهملة (يأكلها) أي الصدقة، أنت لأنه جعل السحت عبارة عنها وإلا فالضمير له (سحتا) السحت الحرام الذي لا يحل كسبه لأنه يسحت البركة أي يذهبها (رواه مسلم وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان). الحديث دليل على أنها تحرم المسألة إلا لثلاثة: الأول: لمن تحمل حمالة وذلك أن يتحمل الانسان عن غيره دينا أو دية أو يصالح بمال بين طائفتين، فإنها تحل له المسألة، وظاهره إن كان غنيا فإنه لا يلزمه تسليمه من ماله وهذا هو أحد الخمسة الذين يحل لهم أخذ الصدقة وإن كانوا أغنياء كما سلف في حديث أبي سعيد. والثاني: من أصاب ماله آفة سماوية أو أرضية كالبرد والغرق ونحوه بحيث لم يبق له ما يقوم بعيشه حلت له المسألة حتى يحصل له ما يقوم بحاله ويسد خلته. والثالث: من أصابته فاقه، ولكن لا تحل له المسألة إلا أن يشهد له من أهل بلده لأنهم أخبر بحاله ثلاثة من ذوي العقول لا من غلب عليه الغباوة والتغفيل وإلى كونهم ثلاثة ذهبت الشافعية للنص فقالوا: لا يقبل في الاعسار أقل من ثلاثة، وذهب غيرهم إلى كفاية الاثنين قياسا على سائر الشهادات وحملوا الحديث على الندب، ثم هذا محمول على من كان معروفا بالغنى ثم افتقر، أما إذا لم يكن كذلك فإنه يحل له السؤال وإن لم يشهدوا له بالفاقة يقبل قوله. وقد ذهب إلى تحريم السؤال ابن أبي ليلى وأنها تسقط به العدالة. والظاهر من الأحاديث تحريم السؤال إلا للثلاثة المذكورين، أو أن يكون المسؤول السلطان كما سلف.
(وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث رضي الله عنه) ابن عبد المطلب ابن هاشم سكن المدينة ثم تحول منها إلى دمشق ومات بها سنة اثنتين وستين وكان قد أتى إلى رسول الله (ص) يطلب منه أن يجعله عاملا على بعض الزكاة فقال له رسول الله (ص) : الحديث وفيه قصة (قال: قال رسول الله (ص): إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس) هو بيان لعلة التحريم (وفي رواية) أي لمسلم عن عبد المطلب (وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد رواه مسلم) فأفاد أن لفظ لا ينبغي أراد به لا تحل فيفيد التحريم أيضا وليس لعبد المطلب المذكور في الكتب الستة غير هذا الحديث. وهو دليل على تحريم الزكاة على محمد (ص). فأما عليه (ص) فإنه إجماع، وكذا ادعى الاجماع على حرمتها على آله: أبو طالب وابن قدامة ، ونقل الجواز عن أبي حنيفة، وقيل: إن منعوا خمس الخمس. والتحريم هو الذي دلت عليه الأحاديث، ومن قال بخلافها قال متأولا لها، وإنما يجب التأويل إذا قام على الحاجة إليه ذليل، والتعليل بأنها أوساخ الناس قاض بتحريم الصدقة الواجبة عليها لا النافلة لأنها هي التي يطهر بها من يخرجها كما قال تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) * إلا أن الآية نزلت في صدقة النفل كما هو معروف في كتب التفسير. وقد ذهبت طائفة إلى تحريم صدقة النفل أيضا على الآل واخترناه في حواشي ضوء النهار لعموم الأدلة. وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كرم آله عن أن يكونوا محلا للغسالة، وشرفهم عنها، وهذه العلة المنصوصة