(وقل يا أيها الكافرون) أي في الثانية بعدها، (وقل هو الله أحد) أي في الثالثة بعدها. (رواه أحمد وأبو داود والنسائي وزاد) أي النسائي (ولا يسلم إلا في آخرهن) الحديث دليل على الايتار بثلاث، وقد عارضه حديث: لا توتروا بثلاث وهو عن أبي هريرة، صححه الحاكم، وقد صحح الحاكم عن ابن عباس، وعائشة كراهية الوتر بثلاث، وقد قدمنا وجه الجمع ثم الوتر بثلاث أحد أنواعه كما عرفت فلا يتعين فيه. فذهبت الحنفية والهادوية إلى تعيين الايتار بالثلاث تصلي موصولة، قالوا: لان الصحابة أجمعوا على أن الايتار بثلاث موصولة جائز، اختلفوا فيما عداه، فالأخذ به أخذ بالاجماع ورد عليهم بعدم صحة الاجماع كما عرفت.
(ولأبي داود والترمذي نحوه) أي نحو حديث أبي (عن عائشة وفيه كل سورة) من سبح والكافرون (في ركعة) من الأولى والثانية كما بيناه، (وفي الأخيرة * (قل هو الله أحد والمعوذتين) في حديث عائشة لين لان فيه خصيفا الجزري، ورواه ابن حبان والدارقطني من حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة. قال العقيلي: إسناده صالح. وقال ابن الجوزي:
أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين، وروى ابن السكن له شاهدا من حديث عبد الله بن سرجس بإسناد غريب.
(وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: أوتروا قبل أن تصبحوا. رواه مسلم) هو دليل على أن الوتر قبل الصبح (ولابن حبان) أي من حديث أبي سعيد، (من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له) وهو دليل على أنه لا يشرع الوتر بعد خروج الوقت. وإما أنه لا يصح قضاؤه فلا، إذ المراد من تركه متعمدا فإنه فاتته السنة العظمى حتى أنه لا يمكنه تداركه، وقد حكى ابن المنذر عن جماعة من السلف أن الذي يخرج بالفجر وقته الاختياري، وأما وقته الاضطراري فيبقى إلى قيام صلاة الصبح، وأما من نام عن وتره ونسيه فقد بين حكمه الحديث وهو قوله:
(وعنه) أي عن أبي سعيد (قال: قال رسول الله (ص): من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر) لف ونشر مرتب، حيث كان نام أو ذكر إذا كان ناسيا (رواه الخمسة إلا النسائي)، فدل على أن من نام عن وتره أو نسيه فحكمه حكم من نام عن الفريضة أو نسيها أنه يأتي بها عند الاستيقاظ أو الذكر أو القياس أنه أداء كما عرفت فيمن نام عن الفريضة أو نسيها.
(وعن جابر رضي الله عنه) هو ابن عبد الله، (قال: قال رسول الله (ص) : من خاف أن لا يقوم من الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل رواه مسلم) فيه دلالة على أن تأخير الوتر أفضل، ولكن إن خاف أن لا يقوم قدمه لئلا يفوته فعلا، وقد ذهب جماعة من السلف إلى هذا وإلى هذا وفعل كل بالحالين، ومعنى كون صلاة آخر الليل مشهودة تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار.