رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه. إسناده صحيح، وإبقاء متعلق بقوله نهى. وروى البزار والطبراني في الأوسط من حديث سمرة نهى النبي (ص) عن الوصال وليس بالعزيمة ويدل له أيضا مواصلة الصحابة، فروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن ابن الزبير كان يواصل خمسة عشر يوما وذكر ذلك عن جماعة غيره فلو فهموا التحريم لما فعلوه، ويدل للجواز أيضا ما أخرجه ابن السكن مرفوعا إن الله لم يكتب الصيام بالليل فمن شاء فليتبعني ولا أجر له. قالوا: والتعليل بأنه من فعل النصارى لا يقتضي التحريم. واعتذر الجمهور عن مواصلته (ص) بالصحابة بأن ذلك كان تقريعا لهم وتنكيلا بهم. واحتمل جواز ذلك لأجل مصلحة النهي في تأكيد زجرهم لأنهم إذا باشروه ظهرت لهم حكمة النهي، وكان ذلك أدعى إلى قبوله، لما يترتب عليه من الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم منه، وأرجح من وظائف العبادات، والأقرب من الأقوال هو التفصيل. وقوله (ص): وأيكم مثلي؟ استفهام إنكار وتوبيخ أي أيكم على صفتي ومنزلتي من ربي. واختلف في قوله: يطعمني ويسقيني فقيل: هو على حقيقته، كان يطعم ويسقى من عند الله، وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يكن مواصلا. وأجيب عنه: بأنه ما كان من طعام الجنة على جهة التكريم، فإنه لا ينافي التكليف، ولا يكون له حكم طعام الدنيا. وقال ابن القيم: المراد ما يغذيه الله من معارفه وما يفيضه على قلبه من لذة مناجاته، وقرة عينه بقربه، وتنعمه بحبه والشوق إليه، وتوابع ذلك من الأحوال، التي هي غذاء القلوب، وتنعيم الأرواح، وقرة العين، وبهجة النفوس، وللقلب والروح بها أعظم وأجود غذاء وأنفعه، وقد يقوي هذا الغذاء حتى يغني عن غذاء الأجسام بره ة من الزمان، كما قيل : لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نور يستضاء له ومن حديثك في أعقابها حادي ومن له أدنى معرفة أو تشوق، يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح، عن كثير من الغذاء الحيواني، ولا سيما المسرور الفرحان، الظافر بمطلوبه الذي قرت عينه بمحبوبه، وتنعم بقربه والرضا عنه. وساق هذا المعنى واختار هذا الوجه في الاطعام والاسقاء. وأما الوصال إلى السحر فقد أذن (ص) فيه كما في حديث البخاري عن أبي سعيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر. وأما حديث عمر في الصحيحين مرفوعا: إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم فإنه لا ينافي الوصال، لان المراد بأفطر دخل في وقت الافطار، لا أنه صار مفطرا حقيقة، كما قيل لأنه لو صار مفطرا حقيقة لما ورد الحث على تعجيل الافطار، ولا النهي عن الوصال، ولا استقام الاذن بالوصال إلى السحر.
(وعنه) أي أبي هريرة (رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): من لم يدع قول الزور) أي الكذب (والعمل به، والجهل) أي السفه (فليس لله حاجة) أي إرادة (في أن يدع شرابه وطعامه رواه البخاري وأبو داود واللفظ له)