كان أول الأمر حيث كان (ص) يحب موافقة أهل الكتاب، ثم كان آخر آمره (ص) مخالفتهم كما صرح به الحديث نفسه. وقيل بل النهي كان عن إفراده بالصوم إلا أنه صام ما قبله أو ما بعده. وأخرج الترمذي من حديث عائشة قالت: كان رسول الله (ص) يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس وحديث الكتاب دال على استحباب صوم السبت والأحد مخالفة لأهل الكتاب، وظاهره صوم كل على الانفراد والاجتماع.
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة رواه الخمسة غير الترمذي وصححه ابن خزيمة والحاكم واستنكره العقيلي . لان في إسناده مهديا الهجري ضعفه العقيلي وقال: لا يتابع عليه والراوي عنه مختلف فيه ، قلت: في الخلاصة إنه قال ابن معين: لا أعرفه، وأما الحاكم فصحح حديثه وأقره الذهبي في مختصر المستدرك ولم يعده من الضعفاء في المعنى وأما الراوي عنه فإنه حوشب بن عبدل قال المصنف في التقريب: إنه ثقة. والحديث ظاهر في تحريم صوم يوم عرفة بعرفة، وإليه ذهب يحيى بن سعيد الأنصاري وقال: يجب إفطاره على الحاج، وقيل: لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء، ونقل عن الشافعي واختاره الخطابي، والجمهور على أنه يستحب إفطاره . وأما هو (ص) فقد صح أنه كان يوم عرفة مفطرا في حجته ولكن لا يدل تركه الصوم على تحريمه. نعم يدل أن الافطار هو الأفضل لأنه (ص) لا يفعل إلا الأفضل إلا أنه قد يفعل المفضول لبيان الجواز فيكون في حقه أفضل لما فيه من التشريع والتبليغ بالفعل، ولكن الأظهر التحريم لأنه أصل النهي.
(وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص) : لا صام من صام الأبد متفق عليه. اختلف في معناه قال شارح المصابيح:
فسر هذا من وجهين أحدهما أنه على معنى الدعاء عليه زجرا له عن صنيعة، والآخر على سبيل الاخبار، والمعنى أنه بمكابدة صورة الجوع وحر الظمأ لاعتياده الصوم حتى خف عليه لم يفتقر إلى الصبر على الجهد الذي يتعلق به الثواب فكأنه لم يصم ولم تحصل له فضيلة الصوم ويؤيد أنه للاخبار قوله:
(ولمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ لا صام ولا أفطر. ويؤيده أيضا حديث الترمذي عنه بلفظ لم يصم ولم يفطر قال ابن العربي: إن كان معناه الدعاء. فيا ويح من أصابه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه الخبر فيا ويح من أخبر عنه النبي (ص) أنه لم يصم، وإذا لم يصم شرعا فكيف يكتب له ثواب. وقد اختلف العلماء في صيام الأبد فقال بتحريمه طائفة وهو اختيار ابن خزيمة لهذا الحديث وما في معناه . وذهب طائفة إلى جوازه وهو اختيار ابن المنذر وتأولوا أحاديث النهي عن صيام الدهر بأن المراد من صامه مع الأيام المنهي عنها من العيدين وأيام التشريق وهو تأويل مردود بنهيه (ص) لابن عمرو عن صوم الدهر وتعليله بأن لنفسه عليه حقا ولأهله حقا