يوم الجمعة: يحمد الله ويثني عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته حذف المقول اتكالا على ما تقدم وهو قوله: أما بعد فإن خير الحديث إلى آخر ما تقدم. ولم يذكر الشهادة اختصارا لثبوتها في غير هذه الرواية فقد ثبت أنه (ص) قال: كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء وفي دلائل النبوة للبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا حكاية عن الله عز وجل وجعلت أمتك لا يجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي وكان يذكر في تشهد نفسه باسمه العلم (وفي رواية له) أي لمسلم عن جابر (من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له) أي أنه يأتي بهذه الألفاظ بعد أما بعد (وللنسائي) أي عن جابر (وكل ضلالة في النار) أي بعد قوله كل بدعة ضلالة كما هو في النسائي واختصره المصنف والمراد صاحبها. وكان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الاسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين، ويذكر معالم الشرائع في الخطبة، والجنة والنار والمعاد ويأمر بتقوى الله ويحذر من غضبه ويرغب في موجبات رضاه. وقد ورد قراءة آية في حديث مسلم : كان لرسول الله (ص) خطبتان يجلس بينهما يقرأ القران ويذكر الناس ويحذر وظاهره محافظته (ص) على ما ذكر في الخطبة، ووجوب ذلك لان فعله بيان لما أجمل في آية الجمعة، وقد قال (ص): صلوا كما رأيتموني أصلي وقد ذهب إلى هذا الشافعي. وقالت الهادوية: لا يجب في الخطبة إلا الحمد والصلاة على النبي (ص) في الخطبتين جميعا. وقال أبو حنيفة: يكفي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وقال مالك: لا يجزئ إلا ما سمي خطبة.
(وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله (ص) يقول:
إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة) بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة أي علامة (من فقهه) أي مما يعرف به فقه الرجل، وكل شئ دل على شئ فهو مئنة له (رواه مسلم). وإنما كان قصر الخطبة علامة على فقه الرجل لا الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني وجوامع الألفاظ فيتمكن من التعبير بالعبارة الجزلة المفيدة ولذلك كان من تمام هذا الحديث فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وإن من البيان لسحرا. فشبه الكلام العامل في القلوب الجاذب للعقول بالسحر لأجل ما اشتمل عليه من الجزالة وتناسق الدلالة وإفادة المعاني الكثيرة ووقوعه في مجازه من الترغيب والترهيب ونحو ذلك، ولا يقدر عليه إلا من فقه في المعاني وتناسق دلالتها فإنه يتمكن من الاتيان بجوامع الكلم، وكان ذلك من خصائصه (ص) فإنه أوتي جوامع الكلم. والمراد من طول الصلاة: الطول الذي لا يدخل فاعله تحت النهي. وقد كان (ص) يصلي الجمعة بالجمعة والمنافقون وذلك طول بالنسبة إلى خطبته وليس بالتطويل المنهي عنه.
(وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنهما) هي الأنصارية روى