: نبت معروف طيب الرائحة (فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا فقال: إلا الإذخر متفق عليه) . فيه دليل على أن فتح مكة عنوة، لقوله لم تحل وقوله: سلط عليها وقوله: لا تحل وعلى ذلك الجماهير. وذهب الشافعي إلى أنها فتحت صلحا لأنه (ص) لم يقسمها على الغانمين كما قسم خيبر، وأجيب عنه بأنه (ص) من على أهل مكة وجعلهم الطلقاء وصانهم عن القتل والسبي للنساء والذرية واغتنام الأموال، إفضالا منه على قرابته وعشيرته. وفيه دليل على أنه لا يحل القتال لاحد بعده (ص) بمكة. قال الماوردي: من خصائص الحرم أنه لا يحارب أهله وإن بغوا على أهل العدل، وقالت طائفة بجوازه وفي المسألة خلاف. وتحريم القتال فيها هو الظاهر. قال القرطبي: ظاهر الحديث يقتضي تخصيصه (ص) بالقتال لاعتذاره عن ذلك الذي أبيح له مع أن أهل مكة كانوا إذ ذاك مستحقين للقتال لصدهم عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه، وكفرهم ، وقال به غير واحد من أهل العلم. قال ابن دقيق العيد: يتأكد القول بالتحريم بأن الحديث دل على المأذون فيه للنبي (ص) ولم يؤذن فيه لغيره، ويؤيده قوله (ص) : فإن ترخص أحد لقتال رسول الله (ص) فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم فدل أن حال القتال فيها من خصائصه (ص). ودل على تحريم تنفير صيدها وبالأولى تحريم قتله، وعلى تحريم قطع شوكها، ويفيد تحريم قطع ما لا يؤذي بالأولى.
ومن العجب أنه ذهب الشافعي إلى جواز قطع الشوك من فروع الشجر كما نقله عنه أبو ثور وأجازه جماعة غيره، ومنهم الهادوية وعللوا ذلك بأنه يؤذي فأشبه الفواسق. قلت: وهذا من تقديم القياس على النص وهو باطل على أنك عرفت أنه لم يقم دليل على أن علة قتل الفواسق هو الأذية.
واتفق العلماء على تحريم قطع أشجارها التي لم ينبتها الآدميون في العادة، وعلى تحريم قطع خلاها وهو الرطب من الكلأ فإذا يبس فهو الحشيش، واختلفوا فيما ينبته الآدميون فقال القرطبي: الجمهور على الجواز. وأفاد أنها لا تحل لقطتها إلا لمن يعرف بها أبدا ولا يتملكها، وهو خاص بلقطة مكة، وأما غيرها فيجوز أن يلتقطها بنية التملك بعد التعريف بها سنة، ويأتي ذكر الخلاف في المسألة في باب اللقطة إن شاء الله تعالى. وفي قوله: ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين دليل على أن الخيار للولي ويأتي الخلاف في ذلك في باب الجنايات . وقوله: نجعله في قبورنا أي نسد به خلل الحجارة التي تجعل على اللحد، وفي البيوت كذلك يجعل فيما بين الخشب على السقوف. وكلام العباس يحتمل أنه شفاعة إليه (ص) ، ويحتمل أنه اجتهاد منه لما علم من أن العموم غالبه التخصيص كأنه يقول هذا ما تدعو إليه الحاجة، وقد عهد في الشريعة عدم الحرج فقرر (ص) كلامه، واستثناؤه ما بوحي أو اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم. (وعن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم حرم مكة) وفي رواية إن الله حرم مكة ولا منافاة فالمراد أن الله حكم بحرمتها وإبراهيم أظهر هذا الحكم على العباد (ودعا لأهلها) حيث قال: * (رب