وقد اختلف فيها على أكثر من أربعين قولا أمليتها في شرح البخاري. قوله أنها بفتح الهمزة مبتدأ خبره ما تقدم من قوله في حديث عبد الله ابن سلام إلى آخره، ورجح أحمد بن حنبل هذا القول رواه عنه الترمذي وقال أحمد: أكثر الأحاديث على ذلك . وقال ابن عبد البر: هو أثبت شئ في هذا الباب، روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن ناسا من الصحابة اجتمعوا فتذكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة ورجحه إسحاق وغيره، وحكي أنه نص الشافعي.
وقد استشكل هذا فإنه ترجيح لغير ما في الصحيح على ما فيه، والمعروف من علوم الحديث وغيرها أن ما في الصحيحين أو في أحدهما مقدم على غيره والجواب أن ذلك حيث لم يكن حديث الصحيحين أو أحدهما مما انتقده الحفاظ كحديث أبي موسى هذا الذي في مسلم فإنه قد أعل بالانقطاع والاضطراب: أما الأول فلانه من رواية مخرمة بن بكير وقد صرح أنه لم يسمع من أبيه فليس على شرط مسلم، وأما الثاني فلان أهل الكوفة أخرجوه عن أبي بردة غير مرفوع، وأبو بردة كوفي وأهل بلدته أعلم بحديثه من بكير فلو كان مرفوعا عند أبي بردة لم يقفوه عليه ولهذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب. وجمع ابن القيم بين حديث أبي موسى وابن سلام بأن الساعة تنحصر في أحد الوقتين وسبقه إلى هذا أحمد بن حنبل (وقد اختلف فيها على أكثر من أربعين قولا أمليتها في شرح البخاري) تقدمت الإشارة إلى هذا، قال الخطابي: اختلف فيها على قولين فقيل: قد رفعت، وهو محكي عن بعض الصحابة. وقيل: هي باقية واختلف في تعيينها، ثم سرد الأقوال ولم يبلغ بها المصنف من العدد وقد اقتصر المصنف هاهنا على قولين كأنهما الأرجح عنده دليلا.
وفي الحديث بيان فضيلة الجمعة لاختصاصها بهذه الساعة.
(وعن جابر رضي الله عنه) هو ابن عبد الله (قال: مضت السنة أن في كل أربعين فصاعدا جمعة. رواه الدارقطني بإسناد ضعيف). وذلك أنه من رواية عبد العزيز بن عبد الرحمن، وعبد العزيز قال فيه أحمد: اضرب على أحاديثه فإنها كذب أو موضوعة، وقال النسائي:
ليس بثقة، وقال الدارقطني: منكر الحديث، وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به وفي الباب أحاديث لا أصل لها، وقال عبد الحق: لا يثبت في العدد حديث، وقد اختلف العلماء في النصاب الذين بهم تقوم الجمعة. فذهب إلى وجوبها على الأربعين لا على من دونهم عمر بن عبد العزيز والشافعي وفي كون الامام أحدهم وجهان عند الشافعية. وذهب أبو حنيفة والمؤيد وأبو طالب إلى أنها تنعقد بثلاثة مع الامام وهو أقل عدد تنعقد به فلا تجب إذا لم يتم هذا القدر مستدلين بقوله تعالى: * (فاسعوا) * قالوا: والخطاب للجماعة بعد النداء للجمعة وأقل الجمع ثلاثة فدل على وجوب السعي على الجمعة للجمعة بعد النداء لها والنداء لا بد له من مناد فكانوا ثلاثة مع الامام ولا دليل على اشتراط ما زاد على ذلك، واعترض بأنه لا يلزم من خطاب الجماعة فعلهم لها مجتمعين وقد صرح في البحر بهذا، واعترض به أهل المذهب لما استدلوا به للمذهب ونقضه بقوله تعالى: * (وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة) * * (وجاهدوا) * فإنه يلزم إيتاء الزكاة في جماعة. قلت: والحق أن شرطية أي شئ في أي عبادة لا يكون إلا عن