كما قاله ابن عبد البر (أن النبي (ص) بعث رجلا على الصدقة) أي على قبضها (من بنى مخزوم) اسمه الأرقم (فقال لأبي رافع: اصحبني فإنك تصيب منها فقال: لا حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله فأتاه فسأله فقال: مولى القوم من أنفسهم وإنها لا تحل لنا الصدقة رواه أحمد والثلاثة وابن خزيمة وابن حبان) الحديث دليل على أن حكم مولى آل محمد (ص) حكمهم في تحريم الصدقة. قال ابن عبد البر في التمهيد: لأنه لا خلاف بين المسلمين في عدم حل الصدقة للنبي (ص) ولبني هاشم ولمواليهم اه. وذهبت جماعة إلى عدم تحريمها عليهم لعدم المشاركة في النسب، ولأنه ليس لهم في الخمس سهم. وأجيب بأن النص لا تقدم عليه هذه العلل فهي مردودة فإنها ترفع النص، قال ابن عبد البر: هذا خلاف الثابت من النص ثم هذا نص على تحريم العمالة على الموالي وبالأولى على آل محمد (ص) لأنه أراد الرجل الذي عرض على أبي رافع أن يوليه على بعض عمله الذي ولاه النبي (ص) فينال عمالة لا أنه أراد أن يعطيه من أجرته فإنه جائز لأبي رافع أخذه إذ هو داخل تحت الخمسة الذين تحل لهم لأنه قد ملك ذلك الرجل أجرته فيعطيه من ملكه فهو حلال لأبي رافع فهو نظير قوله فيما سلف ورجل تصدق عليه منها فأهدى منها.
(وعن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم عن أبيه أن رسول الله (ص) كان يعطي عمر العطاء فيقول أعطه أفقر مني فيقول: خذه فتموله أو تصدق به وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف) بالشين المعجمة والراء والفاء من الاشراف وهو التعرض للشئ والحرص عليه (ولا سائل، فخده وما لا فلا تتبعه نفسك) أي لا تعلقها بطلبه (رواه مسلم) الحديث أفاد أن العامل ينبغي له أن يأخذ العمالة ولا يردها فإن الحديث في العمالة كما صرح به في رواية مسلم. والأكثر على أن الامر في قوله فخذه للندب وقيل: للوجوب. قيل: وهو مندوب في كل عطية يعطاها الانسان فإنه يندب له قبولها بالشرطين المذكورين في الحديث. هذا إذا كان المال الذي يعطيه منه حلالا. وأما عطية السلطان الجائر وغيره ممن ماله حلال وحرام فقال ابن المنذر: إن أخذها جائز مرخص فيه، قال: وحجة ذلك أنه تعالى قال في اليهود: * (سماعون للكذب أكالون للسحت) * وقد رهن (ص) درعه من يهودي مع علمه بذلك وكذا أخذ الجزية منهم مع علمه بذلك. وإن كثيرا من أموالهم من ثمن الخنزير والمعاملات الباطلة انتهى. وفي الجامع الكافي: إن عطية السلطان الجائر لا ترد لأنه إن علم أن ذلك عين مال المسلم وجب قبولها وتسليمه إلى مالكه وإن كان ملتبسا فهو مظلمة يصرفها على مستحقها وإن كان ذلك عين مال الجائر ففيه تقليل لباطله وأخذ ما يستعين بإنفاقه على معصيته، وهو كلام حسن جار على قواعد الشريعة إلا أنه يشترط في ذلك أن يأمن القابض على نفسه من محبة المحسن الذي جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، وأن لا يوهم الغير أن السلطان على الحق حيث قبض ما أعطاه. وقد بسطنا في حواشي ضوء النهار في كتاب البيع ما هو أوسع من هذا.