: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: أليست البلدة الحرام؟
قلنا: بلى: قال: فإن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض . أخرجه البخاري. فاشتمل الحديث على تعظيم البلد الحرام ويوم النحر وشهر ذي الحجة والنهي عن الدماء والأموال، والنهي عن رجوعهم كفارا، وعن قتالهم بعضهم بعضا، والامر بالابلاغ عنه، وهذه من مقاصد الخطب ويدل على شرعية خطبة ثاني يوم النحر.
(وعن سراء) بفتح المهملة وتشديد الراء ممدودة (بنت نبهان رضي الله عنها) بفتح النون وسكون الموحدة (قالت: خطبنا رسول الله (ص) يوم الرؤوس فقال: أليس هذا أوسط أيام التشريق؟ الحديث رواه أبو داود بإسناد حسن) وهذه هي الخطبة الرابعة، ويوم الرؤوس ثاني يوم النحر بالاتفاق. وقوله: أوسط أيام التشريق يحتمل أفضلها ويحتمل الأوسط بين الطرفين. وفيه دليل على أن يوم النحر منها. ولفظ حديث السراء قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: أتدرون أي يوم هذا - قالت: وهو اليوم الذي يدعونه يوم الرؤوس - قالوا: الله ورسوله أعلم قال: هذا أوسط أيام التشريق قال: أتدرون أي بلد هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا المشعر الحرام قال:
إني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا ألا وإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة بلدكم هذا حتى تلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فليبلغ أدناكم أقصاكم ألا هل بلغت فلما قدمنا المدينة لم يلبث إلا قليلا حتى مات.
(وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي (ص) قال لها: طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك رواه مسلم. فيه دليل على أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد للحج والعمرة وإليه ذهب جماعة من الصحابة والشافعي وغيره . وذهبت الهادوية والحنفية إلى أنه لا بد من طوافين وسعيين فالأحاديث متواردة على معنى حديث عائشة عن ابن عمر وجابر وغيرهما. واستدل من قال بالطوافين بقوله تعالى: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * ولا دليل في ذلك، فإن التمام حاصل وإن لم يطف إلا طوافا واحدا، وقد اكتفى (ص) بطواف وسعي واحد وكان قارنا كما هو الحق، واستدلوا أيضا بحديث رواه زياد بن مالك قال في الميزان: زياد بن مالك عن ابن مسعود ليس بحجة، وقال البخاري: لا يعرف له سماع من عبد الله وعنه روي حديث القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين. واعلم أن عائشة كانت قد أهلت بعمرة ولكنها حاضت فقال له رسول الله (ص) : ارفضي عمرتك قال النووي: معنى رفضها إياها رفض العمل فيها وإتمام أعمالها التي هي الطواف والسعي وتقصير شعر الرأس فأمرها (ص) بالاعراض عن أفعال العمرة وأن تحرم بالحج، فتصير قارنة وتقف بعرفات، وتفعل المناسك كلها، إلا الطواف فتؤخره حتى تطهر. وهي أدلة أنها صارت قارنة قوله صلى الله عليه وسلم لها: طوافك