الحكمة في لبس الحرير للحكة لما فيه من البرودة، وتعقب بأن الحرير حار فالصواب أن الحكمة فيه لخاصية فيه تدفع ما تنشأ عنه الحكة من القمل.
(وعن علي رضي الله عنه قال: كساني النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء) بكسر المهملة ثم مثناة تحتية ثم راء مهملة ثم ألف ممدودة قال الخليل: ليس في الكلام فعلاء بكسر أوله مع المد سوى سيراء - وهو الماء الذي يخرج على رأس المولود - وحولاء وعنباء لغة في ضبط العنب وحلة بالتنوين، على أن سيراء صفة لها وبغيره على الإضافة وهو الأجود كما في شرح مسلم (فخرجت فيها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي. متفق عليه وهذا لفظ مسلم. قال أبو عبيدة: الحلة إزار ورداء، وقال ابن الأثير: إذا كانا من جنس واحد، وقيل هي برود مضلعة بالقز، وقيل حرير خالص وهو الأقرب. وقوله فرأيت الغضب في وجهه زاد مسلم في رواية فقال: إني لم أبعثها إليك لتلبسها إنما بعثتها إليك لتشققها خمرا بين نسائك وله في أخرى: شققتها خمرا بين الفواطم. وقوله فشققتها أي قطعتها ففرقتها خمرا وهي بالخاء المعجمة مضمومة وضم الميم جمع خمار - بكسر أوله والتخفيف:
ما تغطي به المرأة رأسها. والمراد بالفواطم: فاطمة بنت محمد (ص) وفاطمة بنت أسد أم علي عليه السلام والثالثة قيل هي فاطمة بنت حمزة وذكرت لهن رابعة وهي فاطمة امرأة عقيل بن أبي طالب. وقد استدل بالحديث على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لأنه (ص) أرسلها لعلي عليه السلام فبنى على ظاهر الارسال وانتفع بها في أشهر ما صنعت له وهو اللبس فبين له النبي (ص) أنه لم يبيح له لبسها.
(وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: أحل الذهب والحرير) أي لبسهما (لإناث أمتي وحرم) أي لبسهما وفراش الحرير كما سلف (على ذكورها رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه) إلا أنه أخرجه الترمذي من حديث سعيد بن أبي هند عن أبي موسى وأعله أبو حاتم بأنه لم يلقه. وكذا قال ابن حبان في صحيحه: سعيد بن أبي هند عن أبي موسى معلول لا يصح. وأما ابن خزيمة فصححه. وقد روي من ثمان طرق غير هذه الطريق عن ثمانية من الصحابة وكلها لا تخلوا عن مقال ولكنه يشد بعضها بعضا. وفيه دليل على تحريم لبس الرجال الذهب والحرير وجواز لبسهما للنساء ولكنه قد قيل إن حل الذهب للنساء منسوخ.
(وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله (ص) قال: إن الله يحب إذا أنعم على عبده نعمة أن يرى أثر نعمته عليه رواه البيهقي) وأخرج النسائي من حديث أبي الأحوص، والترمذي والحاكم من حديث ابن عمر إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وأخرج النسائي عن أبي الأحوص عن أبيه وفيه: إذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمته عليك وكرامته. في هذه الأحاديث دلالة أن الله تعالى يحب من العبد إظهار نعمته في مأكله وملبسه فإنه شكر للنعمة فعلي، ولأنه إذا رآه المحتاج في هيئة حسنة قصده ليتصدق