وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعرابيا جاء إلى النبي (ص) فقال: إني رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال: فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غدا رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان ورجح النسائي إرساله. فيه دليل كالذي قبله على قبول خبر الواحد في الصوم. ودلالة على أن الأصل في المسلمين العدالة إذا لم يطلب (ص) من الاعرابي إلا الشهادة. وفيه أن الامر في الهلال جار مجرى الاخبار لا الشهادة وإنه يكفي في الايمان الاقرار بالشهادتين ولا يلزم التبري من سائر الأديان.
(وعن حفصة أمير أم المؤمنين رضي لله عنها أن النبي (ص) قال: من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له رواه الخمسة ومال الترمذي. والنسائي إلى ترجيح وقفه) على حفصة (وصححه مرفوعا ابن خزيمة وابن حبان وللدارقطني) أي عن حفصة (لا صيام لمن لم يفرضه من الليل) الحديث. اختلف الأئمة في رفعه ووقفه، وقال أبو محمد بن حزم: الاختلاف فيه يزيد الخبر قوة. لان من رواه مرفوعا قد رواه موقوفا، وقد أخرجه الطبراني من طريق أخرى وقال: رجالها ثقات. وهو يدل على أنه لا يصح الصيام إلا بتبييت النية وهو أن ينوي الصيام في أي جزء من الليل، وأول وقتها الغروب وذلك لأن الصوم عمل والأعمال بالنيات، وأجزاء النهار غير منفصلة من الليل بفاصل يتحقق فلا يتحقق إلا إذا كانت النية واقعة في جزء من الليل. وتشترط النية لكل يوم على انفراده وهذا مشهور من مذهب أحمد وله قول أنه إذا نوى من أول الشهر تجزئة، وقوى هذا القول ابن عقيل بأنه (ص) قال: لكل امرئ ما نوى وهذا قد نوى جميع الشهر، ولان رمضان بمنزلة العبادة الواحدة لان الفطر في لياليه عبادة أيضا يستعان بها على صوم نهاره وأطال في الاستدلال على هذا بما يدل على قوته. والحديث عام للفرض والنفل والقضاء والنذر معينا مطلقا وفيه خلاف وتفاصيل. واستدل من قال بعدم وجوب التبييت بحديث البخاري أنه (ص) بعث رجلا ينادي في الناس يوم عاشوراء أن من أكل فليتم أو فليصم ومن لم يأكل فلا يأكل قالوا: وقد كان واجبا ثم نسخ وجوبه بصوم رمضان، ونسخ وجوبه لا يرفع سائر الأحكام فقيس عليه رمضان وما في حكمه من النذر المعين والتطوع فخص عموم " فلا صيام له " بالقياس وبحديث عائشة الآتي فإنه دل على أنه (ص) كان يصوم تطوعا من غير تبييت النية.
وأجيب بأن صوم عاشوراء غير مساو لصوم رمضان حتى يقاس عليه فإنه (ص) ألزم الامساك لمن قد أكل ولمن لم يأكل فعلم أنه أمر خاص. ولأنه إنما أجزأ عاشوراء بغير تبييت لتعذره فيقاس عليه ما سواه كمن نام حتى أصبح، على أن لا يلزم من تمام الامساك ووجوبه، أنه صوم مجزئ وأما حديث عائشة وهو:
(وعن عائشة رضي الله عنه قالت، دخل على النبي (ص) ذات يوم فقال: هل عندكم شئ؟ قلنا: لا، قال: فإني إذا صائم ثم أتانا يوما آخر