والجماعات وما تداوى به. وعن حكمته التي كل حكمة أمامها عدم، ولا عجب فعقول الناس قاصرة تتنازعها لأهواء والشهوات في ميدان الحق، فكان ما يصدر عنها مظنة النقص.
إن العلماء والمفكرين من المسلمين إن سلكوا هذه الخطة، ولعلهم سالكون، ربطوا بين المسلمين برباط وثيق وقربوا ما بينهم من الخلاف في الآراء والنزعات بل قضوا على ذلك ورجعوا إلى كتاب الله الذي كأني بالرسول (ص) يقول فيه الآن لربه (يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) والرجوع إلى كتاب الله هو أساس كل فلاح وسعادة (إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم) ولا يمكن أن يعود للمسلمين عزهم القديم وملكهم المسلوب ألا إذا اعتصموا بالكتاب والسنة (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) الدين الآن ليس له وجود إلا بين المشتغلين به، فلا هو في النفوس ولا هو في النفوس ولا هو في المحاكم، اللهم إلا بقايا يلتهمها الزمان شيئا فشيئا، فجدير بالعلماء أن يفكروا طويل التفكير في السبيل الذي يصلون منه إلى إحلال الدين في القلوب والعمل به في محاكم المسلمين. وإن هذا الكتاب (سبل السلام) الذي محض صحيح الآراء من سقيمها ووزنها بميزان الكتاب والسنة خطوة في هذا السبيل نتقدم به إلى كل مسلم غيور على دينه محب أن تكون له الكلمة. والكتاب لم يخل من عثرات لكلها قليلة. ولكل جواد كبوة، ولكل صارم نبوة، والعصمة لله وحده، وكل انسان يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر، ذلك قول مالك يعنى به نبينا (ص)، ومع ذلك لم تفتنا هذه العثرات، بل نبهنا عليها وبينا صريح الحق فيها، فجاء الكتاب بحمد الله فيما نعتقد من خيرة كتب الاحكام التي ينبغي العكوف على تعلمها وتعرف ما فيها.
الكتب المؤلفة في أحاديث الاحكام وشرحها كثيرة وكتابنا هذا وسط فيها خيار منها، فإنه يقصد المحز ويطبق المفصل فيأتي بالمسمين دون الغث ويعرض عن ذكر الخلافات التي لا ترتكز على دليل ويقتصد في بيان الطعون التي في الأسانيد فيجاء من أجل هذا كتابا وسطا في أربع مجلدات ولقد عانينا في تصحيحه مشقات كبيرة، فان النسخة التي طبعنا منها فيها خطأ كثير اضطرنا إلى الرجوع إلى الأصول التي منها اسمتد الكتاب وأصله، وكنا نراجع الأصل أيضا على كتاب (فتح العلام) الذي طبع المطبعة الأميرية والذي هو نسخة ثانية من سبل السلام سميت باسم جديد، ولم تخل من التحريف والخطأ كأصلها سبل السلام، وإن من حسنات مدرسة القضاء الشرعي أن قررت دراسة هذا الكتاب في أحاديث الاحكام لطلبة التخصص فيها، فكانت تلك حسنة في الدين إلى حسناتها في خدمة القضاء.
وفى الختام ندعو المكفرين من المسلمين إلى أن يقوموا بواجبهم نحو الدين وكتاب الله المبين وسنة رسوله الأمين (قد جاء كم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه : سبل السلام: ويخرجهم من الظلمات إلى النور باذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم).
القاهرة في صباح الجمعة 26 رمضان سنة 1344 ه - 9 إبريل سنة 1926 م محمد عبد العزيز الخولي المدرس بمدرسة دار العلوم