لمبتدأ محذوف: أي ثم هو يغتسل، وقد جوز جزمه على عطفه على موضع يبولن، ونصبه بتقدير أن على إلحاق ثم بالواو في ذلك، وإن أفاد أن النهي إنما هو عن الجمع بين البول والاغتسال، دون إفراد أحدهما، مع أنه ينهى عن البول فيه مطلقا، فإنه لا يخل بجواز النصب، لأنه يستفاد من هذا النهي عن الجمع، ومن غيره النهي عن إفراد البول وإفراد الاغتسال. هذا بناء على أن ثم قد صارت بمعنى الواو تفيد الجمع، وهذا قاله النووي معترضا به على ابن مالك، حيث جوز النصب، وأقره ابن دقيق العيد في غير شرح العمدة، إلا أنه أجاب عن النووي بما أفاده قولنا: فإنه لا يخل بجواز النصب إلى اخره. قلت: والذي تقتضيه قواعد العربية أن النهي في الحديث إنما هو عن الجمع بين البول ثم الاغتسال منه، سواء رفعت اللام أو نصبت، وذلك لان ثم تفيد ما تفيده الواو العاطفة في أنها للجمع، وإنما اختصت ثم بالترتيب، فالجميع واهمون فيما قرروه. ولا يستفاد النهي عن كل واحد على انفراده من رواية البخاري، لأنها إنما تفيد النهي عن الجمع، ورواية مسلم تفيد النهي عن الاغتسال فقط إذا لم تقيد برواية البخاري. ثم رواية أبي داود بلفظ: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه تفيد النهي عن كل واحد على انفراده (فيه. ولمسلم) في روايته (منه) بدلا عن قوله فيه، والأولى تفيد أنه لا يغتسل فيه بالانغماس مثلا، والثانية تفيد أن لا يتناول منه ويغتسل خارجه.
(ولأبي داود) بلفظ: (ولا يغتسل فيه) عوضا عن ثم يغتسل (من الجنابة) عوضا عن قوله:
وهو جنب، وقوله هنا: ولا يغتسل دال على أن النهي عن كل واحد من الامرين على انفراده، كما هو أحد الاحتمالين الأولين في رواية ثم يغتسل منه. قال في الشرح: وهذا النهي في الماء الكثير للكراهة. وفي الماء القليل للتحريم. قيل عليه: إنه يؤدي إلى استعمال لفظ النهي في حقيقته ومجازه، فالأحسن أن يكون من عموم المجاز، والنهي مستعمل في عدم الفعل الشامل للتحريم، وكراهة التنزيه. فأما حكم الماء الراكد وتنجسه بالبول، أو منعه من التطهير بالاغتسال فيه للجنابة، فعند القائلين: - بأنه لا ينجس إلا ما تغير أحد أوصافه - النهي عنه للتعبد وهو طاهر في نفسه، وهذا عند المالكية فإنه يجوز التطهر به، لان النهي عندهم للكراهة، وعند الظاهرية:
أنه للتحريم. وإن كان النهي تعبدا، لا لأجل التنجيس لكن الأصل في النهي التحريم. وأما عند من فرق بين القليل والكثير فقالوا: إن كان الماء كثيرا - وكل على أصله في حده - ولم يتغير أحد أوصافه، فهو الطاهر. والدليل على طهوريته: تخصيص هذا العموم، إلا أنه قد يقال:
إذا قلتم: النهي للكراهة في الكثير، فلا تخصيص لعموم حديث الباب، وإن كان الماء قليلا - وكل في حده على أصله - فالنهي عنه للتحريم، إذ هو غير طاهر ولا مطهر، وهذا على أصلهم في كون النهي للنجاسة. وذكر في الشرح الأقوال في البول في الماء وأنه لا يحرم في الكثير الجاري كما يقتضيه مفهوم هذا الحديث، والأولى اجتنابه. أما القليل الجاري فقيل يكره، وقيل: يحرم وهو الأولى. قلت: بل الأولى خلافه إذ الحديث في النهي عن البول فيما لا يجري، فلا يشمل الجاري قليلا كان أم كثيرا. نعم، لو قيل بالكراهة لكان قريبا. وإن كان كثيرا راكدا فقيل: يكره مطلقا، وقيل: إن كان قاصدا إلا إذا عرض وهو فيه فلا كرهة. قال في الشرح: ولو قيل بالتحريم لكان أظهر وأوفق، لظاهر النهي، لان فيه إفسادا له على غيره ومضارة