ثم قال: وعزني في الخطاب، أي غلبني في المخاطبة وقهرني، وقال أبو عبيدة:
صار أعز مني.
فقال له داود: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض. ومعناه إن كان الأمر على ما تدعيه لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه فأضاف السؤال إلى المفعول به.
وقال أصحابنا: موضع الخطيئة أنه قال للخصم: لقد ظلمك، من غير أن يسأل خصمه عن دعواه، وفي أدب القضاء أن لا يحكم بشئ ولا يقول حتى يسأل خصمه من دعوى خصمه فما أجاب به حكم بذلك وهذا ترك الندب.
والشرط الذي ذكرناه لا بد منه لأنه لا يجوز أن يخبر النبي ع أن الخصم ظلم صاحبه قبل العلم بذلك على وجه القطع وإنما يجوز مع تقدير وبالشرط الذي ذكرناه، فروي: أن الملكين غابا من بين يديه، فظن داود أن الله تعالى اختبره بهذه الحكومة، ومعنى الظن هنا العلم كأنه قال: وعلم داود، وقيل: إنما ظن ظنا قويا، وهو الظاهر.
و " فتناه " أي بحق أضافه الله إلى نفسه، أي اختبرناه، وقرئ: فتناه، بالتخفيف، أي الملكين فتناه بهما. وقيل: إنه كان خطب امرأة كان أوريا بن حنان خطبها ولم يعلم ذلك وكان دخل في سومه فاختاروه عليه فعاتبه الله على ذلك، وأولى الوجوه أنه ترك الندب فيما يتعلق بأدب القضاء.
وقرأ ابن مسعود: ولي نعجة أنثى واحدة، ووصفها بأنثى إشعارا بأنها ضعيفة مهينة.
يسأل، فيقال في قوله: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، كيف يكون السائل ظالما؟
الجواب: إنه لم يسأله سؤال خضوع إنما غالبه، فمعنى السؤال ههنا حمل على سؤال مطالبة ولو سأله التفضل ما عازه عليها، وقد بينا أن الحكمة في قوله: وآتيناه الحكمة، اسم تقع على العلم والعقل وصواب الرأي وصحة العزم والحزم.