الخلافية من تاريخية وعقيدية إلى درجة أنني أعطي كامل أوقات فراغي لهذه الدراسة.
وكان أخي الأكبر يمر بي وأنا عاكف على مختلف الكتب التي لم يرها من قبل ولم يسمع بما فيها فأوعدني بأن سأصبح يوما مجنونا، وبالفعل وبعد الاستبصار قال لي: أنت مجنون وقال: أنت " تصلخت " أي انسلخت من ثيابك وقال: " لا تتصلخ " أي أنك مجنون ولكن لا تمزق ثيابك فقلت في نفسي: كيف ترجو من المجنون ألا يمزق ثيابه وبعد ردح من الزمن استبصر أخي فلم أقل له لا تمزق ثيابك.
لقد وافاني اليوم الذي أصبحت أقدم فيه رجلا وأؤخر رجلا حيرانا معذبا أقدم الأولى انصياعا للحق والدليل، وأؤخر الثانية خوفا من زلة القدم، فلم يمض زمن مقداره ثلاث سنوات وزيادة أشهر إلا وقد استولى الحق على قلبي. وكانت دراستي خلال المقارنة بعيدة عن الهوى والتعصب والطائفة والعواطف، وكنت حذرا حاضر الذهن ودقيق الملاحظة غير متسرع في الحكم فآمنت بأهم المسائل العقيدية والمذهبية مسألة مسألة.
وباعتبار أن مثل هذا الانتقال صعب وشائك جعلت الرياح تعصفني يمينا وشمالا فتعثر لساني وتردد قلبي وكأن أمواجا تتجاذفه، موجة للدين وموجة للدنيا، لأني عالم بأن تشيعي سيكون على حساب مصلحتي وسمعتي وكرامتي عند بعض الناس وحجب ثقتهم عني وتفرقهم من حولي.
فأصبحت أسير الامتحان في سجن الابتلاء في لحظات لا مناص لأجل الخلاص إلا بالفداء، ولكن ما نوع هذا الفداء فهل أفدي الدنيا بالدين أم الدنيا لأجل الدين وبعبارة أخرى أيهما أبيع وأيهما أشري أحلى البيعين