قالت فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه الدعي عبيد الله بن زياد فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين ع فأبى أن يبرأ منه فقال له ابن زياد فبأي ميتة أخبرك صاحبك أنك تموت قال أخبرني خليلي إنك تدعوني إلى البراءة فلا أبرأ فتعذبني فتقطع يدي ورجلي ولساني فقال والله لأكذبن صاحبك قوموا فاقطعوا يديه ورجليه واتركوه فقطعوه وحملوه إلى منزلنا ثم دخل عليه جيرانه ومعارفه يتوجعون له فقل إئتوني بدواة وصحيفة أذكر لكم ما يكون مما علمنيه مولاي أمير المؤمنين فبلغ ذلك ابن زياد فأرسل إليه الحجام حتى قطع لسانه فمات من ليلته تلك وكان أمير المؤمنين ع يسميه راشد المبتلى وكان قد ألقى إليه علم المنايا والبلايا وكان يلقى الرجل فيقول له تقتل قتله كذا فيكون الأمر كما قال راشد اه وهنا أمور أولا جعل الكشي والشيخ في الأمالي هذه الواقعة مع عبيد الله بن زياد وجعلها إبراهيم بن إسحاق والمفيد فيما يأتي مع أبيه زياد والظاهر أنه هو الصواب وغيره اشتباه ثانيا ما في الكشي والأمالي الظاهر أنه لواقعة واحدة بدليل اتحاد المتن لكن الكشي حكاه عن قنواء بنت رشيد وصاحب الأمالي حكاه عن أمة الله بنت رشيد فهل هما إسمان لبنت واحدة أو هما اثنتان كلتاهما شهدتا ذلك وحكته عن أبيها وفي كلتا الروايتين أنها قالت له يا أبت هل تجد لذلك ألما ثالثا في رواية الكشي سماه رشيدا كما هو المشهور وفي رواية الأمالي سماه راشدا فهل اسمه الأصلي راشد وصغر فسمي رشيد لكن تصغير راشد رويشد لا رشيد ولعله كان له إسمان راشد ورشيد.
الكشي: جبرئيل بن أحمد حدثني محمد بن عبد الله بن مهران حدثني أحمد بن النضر عن عبد الله بن يزيد الأسدي عن فضيل بن الزبير: خرج أمير المؤمنين ع يوما إلى بستان البرني ومعه أصحابه فجلس تحت نخلة ثم أمر بنخلة فقطعت فأنزل منها رطب فوضع بين أيديهم فقال رشيد الهجري يا أمير المؤمنين ما أطيب هذا الرطب فقال يا رشيد أما انك تصلب على جذعها قال رشيد فكنت اختلف إليها طرفي النهار أسقيها ومضى أمير المؤمنين ع فجئتها يوما وقد قطع سعفها قلت اقترب أجلي ثم جئت يوما فجاء العريف فقال أجب الأمير فاتيته فلما دخلت القصر إذا خشب ملقى ثم جئت يوما آخر فإذا النصف قد جعل زرنوقا يستقي عليه الماء فقلت ما كذبني خليلي فأتاني العريف فقال أجب الأمير فاتيته فلما دخلت القصر إذا الخشب ملقى وإذا فيه الزرنوق فجئت حتى ضربت الزرنوق برجلي ثم قلت لك غذيت ولي أنبت ثم أدخلت على عبيد الله بن زياد قال هات من كذب صاحبك فقلت والله ما أنا بكذاب ولا هو وقد أخبرني إنك تقطع يدي ورجلي ولساني فقال إذا والله نكذبه إقطعوا يده ورجله وأخرجوه فلما حمله أهله أقبل يحدث الناس بالعظائم وهو أيها الناس فان للقوم عندي طلبة لما يقضوها فدخل رجل على ابن زياد فقال له ما صنعت قطعت يده ورجله وهو يحدث الناس بالعظائم ثم قال ردوه وقد إنتهى إلى بابه فرده فامر بقطع يديه ورجليه ولسانه وأمر بصلبه وقد سبق له مع حبيب بن مظاهر مدح وفي الروايات الواردة في إسحاق بن عمار أن رشيد الهجري كان مستضعفا وكان عنده علم المنايا وفي منهج المقال لعل معناه لا ينافي ما مدح به هاهنا اه بان يراد به المستضعف في قومه في علمه لأن علمه مقصور على بعض الأشياء والله أعلم.
وفي شرح النهج لأن أبي الحديد ج 1 ص 211 قال إبراهيم بن هلال الثقفي في كتاب الغارات حدثني إبراهيم بن العباس النهدي حدثني مبارك البجلي عن أبي بكر بن عياش حدثني المجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر الحارثي قال كنت عند زياد وقد أتى برشيد الهجري وكان من خواص أصحاب علي ع فقال له زياد ما قال خليلك لك إنا فاعلون بك قال تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني قال زياد أما والله لأكذبن حديثه خلوا سبيله فلما أراد أن يخرج قال لا نجد شيئا أصلح مما قال لك صاحبك إنك لا تزال تبغي لنا سوءا إن بقيت إقطعوا يديه ورجليه فقطعوا يديه ورجليه وهو يتكلم فقال رشيد قد بقي لي عندكم شئ ما أراكم فعلتموه فقال زياد إقطعوا لسانه فلما أخرجوا لسانه ليقطع قال نفسوا عني أتكلم كلمة واحدة فنفسوا عنه فقال هذا والله تصديق خبر أمير المؤمنين أخبرني بقطع لساني فقطعوا لسانه وصلبوه قال وروى محمد بن موسى العنزي قال كان مالك بن ضمرة الرؤاسي من أصحاب علي ع وممن استبطن من جهته علما كثيرا وكان أيضا قد صحب أبا ذر فاخذ من علمه وكان يقول في أيام بني أمية اللهم لا تجعلني أشقى الثلاثة فيقال له وما الثلاثة فيقول رجل يرمى من فوق طمار ورجل تقطع يداه ورجلاه ولسانه ورجل يصلب ورجل يموت على فراشه فكان من الناس من يهزأ به ويقول هذا من أكاذيب أبي تراب وكان الذي رمي به من فوق طمار هاني بن عروة والذي قطع وصلب رشيد الهجري ومات مالك على فراشه اه وقال المفيد في الارشاد عند ذكر الأخبار عن الغيوب المحفوظة عن أمير المؤمنين ع وذكره شائع الرواية بين العلماء مستفيضة فمن ذلك ما رواه ابن عباس عن مجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر الحارثي كنت عند زياد إذ أتي برشيد الهجري فقال له قال لك صاحبك يعني عليا إنا فاعلون بك قال تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني فقال زياد أما والله لأكذبن حديثه خلوا سبيله فلما أراد أن يخرج قال زياد والله ما نجد له شيئا سرا مما قال له صاحبه إقطعوا يديه ورجليه واصلبوه فقال رشيد هيهات قد بقي لي عندكم شئ أخبرني به أمير المؤمنين ع فقال زياد إقطعوا لسانه فقال رشيد الآن والله جاء تصديق خبر أمير المؤمنين ع قال المفيد وهذا الخبر قد نقله المؤلف والمخالف عن ثقافتهم عمن سمينا واشتهر أمره عند علماء الجميع اه أقول ما روي في حقه هو فوق التوثيق والذين وثقوا الرجال هل كان توثيقهم مستفادا إلا من الظنون والامارات فإنهم غالبا لم يعاشروا من وثقوهم ولم يخالطوهم وهل كانت تلك الامارات أقوى في إفادة الظن مما ورد في حقه كلا والمتأخرون الذين وثقوا الرجال ما اعتمدوا إلا على توثيق من تقدمهم ولذلك كان من السخافة بمكان عد توثيقهم إلى جنب توثيق المتقدمين ليتم بذلك التوثيق بعدلين بناء على الأصل الواهي من أن التوثيق من باب الشهادة لا يتم إلا بعدلين إذ مع تسليم أنه من باب الشهادة فالشهادة يجب أن تستند إلى الحس لا الحدس المجرد ومعلوم أن توثيق المتأخر مأخوذ من توثيق المتقدم والفرع لا يزيد على أصله. لكن ذلك موقوف على صحة هذه الأخبار وقد سمعت قول صاحب الحاوي أن سند روايتي الكشي غير واضح. وفي أحدهما قنواء بنت رشيد وحالها مجهول إلا أن يقال أن هذه الروايات معتضد بعضها ببعض وأنها مشهورة مستفيضة ولذلك قال المفيد فيما مر أن هذا الخبر قد نقله المؤلف والمخالف عن الثقات واشتهر أمره عند علماء الجميع.