عليها فأمريكا مستعدة لتساعدها للدفاع عن نفسها. أتذكر أن أحمد مختار بابان قال ما معناه أنه ليس بوسعه أن يتكلم باسم الحكومة العراقية في أسطنبول وأن الأمر يجب أن يقرر في بغداد وهنا انتهى الأمر حسب علمي أنا أتذكر ما قلته في ذلك الاجتماع ولكن رأيي أن العراق لم يكن مستعدا لمجابهة أي خطر شيوعي لا من الداخل ولا من الخارج. أما من الداخل فإن أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية لم تكن سليمة، وأما من الخارج فلم يكن لدى العراق استعداد عسكري كافي لمجابهة أي خطر شيوعي يأتي من أية جهة وأظن هذا ما قلت لرئيس الوزراء حين زارني في بيتي بعد عودتي من إسطنبول.
إن اجتماع كهذا لتقدير الموقف الدولي هو من الأمور العادية التي تجري بين حين وآخر في عواصم كثيرة من الدول الحليفة، أما حضوري بصفة شرعية وأنا غير مسؤول أي لست في الحكم فلا يلزمني شيئا ولا يلزم أحدا برأيي فهو أمر من الأمور المألوفة لمن يتعاطون السياسة الدولية ولا شك أني كنت ملزما بالحضور أدبيا.
التآمر على سوريا إني أحب سوريا كواحد من أبنائها المخلصين وأدعوا إلى الله أن ينجيها من مؤامرة تدبر ضدها. أنا لم أساهم في أية مؤامرة ضد سوريا ولم أكن أعلم عن شئ من هذا القبيل، كما إني لم أساهم ولم أعلم عن إرسال أسلحة إلى سوريا ولست أنا المسؤول عن السلاح أو إرسال السلاح فيما إذا كان قد وقع شئ من ذلك. وإني لم أفكر يوما من الأيام في تحقيق الاتحاد بين سوريا والعراق بطريق غرير مشروعة بل العكس والواقع يمكنكم التأكد من ذلك مما ورد بإحدى رسائلي الموجودة لديكم إلى عبد الإله بأن الاتحاد لا خير فيه ما لم يقبل عليه الشعب ويقوم بإرادته، وكذلك من اعتذاري مساعدة الأستاذ الدواليبي مساعدة عسكرية حين جاء يريد أن ينقذ سوريا من الشيشكلي أنا دائما أعتقد بأن الاتحاد لا قيمة له ما لم يتم التفاهم بين رجال البلدين وما لم يشعر الشعب في القطرين بأن الاتحاد هو ضرورة قومية وحياتية لهم. أما اتصالاتي ومحادثاتي مع رجال سوريا في شتى الأحزاب وشتى وجهات النظر فهو مجرد استناد وتفكير في خطط عامة، ولم يتسن لي يوم أن أكون في المسؤولية وأعمل في سبيل الاتحاد منذ 1954 حين زارني العسلي حين اجتمعت برئيس وزراء سوريا آنذاك ولا يمكن بوجه من الوجوه أن يعتبر اجتماعي برئيس وزراء وأنا وزير الخارجية في الخارج للاستشفاء وتبادل الآراء معه كمؤامرة ضد سوريا. وإلا فتصبح كل الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية في العالم من قبيل المؤامرات، أنه كيف يعقل أن يتآمر رئيس وزراء بلد مع عدد من أقطاب ساسة البلد على بلده. وهل أنا ذاهب للاستشفاء أم للتآمر؟
أما اتصالاتي غير الرسمية مع عدد من رجال سوريا الذين اجتمعت بهم منذ سنة 1955 إلى اليوم ومنهم أصدقائي بقطع النظر عن علاقاتهم السياسية مع حكومتهم فليس له غير صفة اجتماعية أخوية ولا علاقة لها بأية خطة للاتحاد. ولقد اجتمعت بأصدقائي السوريين في كل مكان وزمان حيثما رأيتهم، وتحدثنا عن شؤون سوريا وشؤون وعلاقات البلدين حديثا وديا غير رسمي. لا أدري كيف يسأل السياسي عن اجتماعات كهذه هي جزء من حياته اليومية الأمر المهم الذي أؤكده هو أني لم أشترك في أية مؤامرة على سوريا ولم أدع إلى الاتحاد بين القطرين بطرق غير دستورية أجل أن حبي الأكيد لسوريا ورغبتي الصميمة في الاتحاد الصالح يمنعاني أن أتقدم بالاتحاد مع سوريا عن طريق المؤامرات.
ما صرف في عهدي الأخير للكثير من الدول التي تريد ترويج سياستها دوليا أو تريد الدفاع عن نفسها مبالغ تخصص لتصرف في سبيل الدعاية ثم تكون سياسة صحيحة ومغلوطة فهذا شئ ثاني لكن صرف مبالغ لترويج سياسة والعراق في هذا الباب لا يختلف عن غيره وإن لم يستطع اللحاق بشقيقتيه مصر والسعودية في هذا الصدد ولما توليت وزارة الخارجية هذه السنة لمدة شهرين وعشرة أيام وجدت أن قسما مهما من مخصصات الدعاية، يوجه إلى وزارة الدفاع ليصرف عن طريق الملحق العسكري في بيروت، كبعض الرواتب للبنانيين والسوريين الذين شعرت الحكومة العراقية بفائدة مساعدتهم لسياستها، وإني في هذين الشهرين مشيت على نفس الخطة التي كانت قد تمشت عليها الوزارات السابقة، وذلك بتنسيب الملحق العسكري الذي رأيته في بيروت وإلحاح رئيس الوزراء. وإنما دفع للقوميين السوريين أو القوميين الاجتماعيين للدعاية هو ليس للعمل في سوريا بل للعمل في لبنان، فهو ليسوا سوريين بل لبنانيين والدعاية التي يقومون بها للعراق هي في لبنان، وإن أسد الأشقر رئيس الحزب هو نائب في البرلمان اللبناني والدراهم إنما دفعت للدفاع عن سياسة العراق في لبنان. ولو علمتم أيها السادة بأن صحافيا واحدا من بيروت ذهب إلى عاصمة عربية شقيقة وعاد باثني عشر ألف دينار. ولو علمتم بأن بناية ضخمة لمجلة الصياد أنشأتها دولة عربية شقيقة أخرى في بيروت لقدرتم بأن ما يبذله العراق لأغراض الدعاية لم يكن كثيرا، أما إذا كانت هنالك مبالغ كثيرة أخرى صرفت لأغراض مؤامرات فإني لا أعرف عنها شيئا ولم تقع في عهدي وأنا برئ منها.
هذا وأني لم أتدخل يوما ما في شؤون سوريا الداخلية ولم أر سوريا منذ صيف سنة 1955. أما الدعوة إلى الاتحاد أو العمل في سبيله فلا يجوز أن تعتبر من الشؤون الداخلية لأي بلد لأن الاتحاد هو خروج عن الحدود الطبيعية بطبيعته ولا أدري كيف نسب إلى التدخل في شؤون سوريا الداخلية إلا إذا كان المقصود استطلاعاتي الشخصية مع بعض الساسة حول انتخابات رئيس الجمهورية فهذه مسألة استطلاع لا تدخل فكل سياسي عراقي كان يتمنى بأن يختار لسوريا رئيس جمهورية يؤمن استقرار أمن سوريا ويجب العراق ويسعى في سبيل التفاهم والاتحاد.
إن حب الاستطلاع هذا هو تبادل الآراء الشخصية حول الموضوع لا تأثير له على مجرى الحوادث الداخلي في سوريا ولا يعتبر تدخلا. لأن المدعي العالم ذكر بأني تدخلت بالشؤون الداخلية لسوريا.
أنا والرئيس جمال عبد الناصر إنني ممن يحترمون الرئيس جمال عبد الناصر ويحملون له الإعجاب والتقدير لا سيما وقد استطاع أن يكسب قلوب الجماهير العربية بحق وجدارة وأني أشارك الجماهير العربية في تأييده حول المبادئ والأهداف التالية: - 1 - الأخذ بالقومية العربية وربط الشعوب العربية وتوحيدها عن طريقها.
2 - شكواه من الغرب في سياسته الرجعية إزاء العالم العربي تلك السياسة التي سببت المظالم والمآسي لا سيما في فلسطين والجزائر والتي جعلت العرب في وضع ضعيف لا يليق بعزتهم وكرامتهم واستقلالهم.
3 - استئصال الفساد والظلم في الحكم والقضاء على الاستغلال والجشع المتفشي في المجتمع وبناء مجتمع حديث. إن التمسك بهذه الأهداف الثلاثة هو الذي يكون في رأيي عظمة الرئيس جمال عبد الناصر وهو ما أؤيده فيه كل التأييد. أما اختلافي وإياه فهو في السياسة التي توصله إلى هذه الأهداف فإني كرجل مدني غير عسكري لم أستطع أن أوافقه على السياسة التالية:
1 - سياسة الحياد الإيجابي مع أنني ممن يتمنون تحقيق الحياد إلا أنني أرى