حق المحكمة ومن حق الشعب أن يطلع عليه فقد بدأ كما تفضل سيادة المدعي العام قبل أربعين سنة بالضبط يوم بدأت كمعاون معلم ابتدائي براتب قدره خمسون روبية أي ثلاثة دنانير وبعض الدينار ومنه تدرجت في الدرس والتدريس فأصبحت معلما ابتدائيا ثم مدرسا في دار المعلمين ثم مرشدا عاما للمعارف ثم مديرا عاما للمعارف ثم مفتشا عاما للتدريسات.
خدمت المعارف نحوا من ربع قرن في مختلف مراحل التعليم والإدارة ولي اليوم مئات الطلاب بين رجال التعليم ورجال الدولة على اختلاف مناصبهم وبين وزراء الثورة اليوم من درستهم أو أشرفت على دراستهم في البعثات العلمية.
وفي المعارف ساهمت مساهمة فعالة في نشر التعليم ولا سيما في القرى والأرياف والمناطق العشائرية، وعملت لجعل التعليم في القرى ابتدائيا أي دراسة في ستة سنوات بعد أن كان أوليا أي دراسة لمدة أربع سنوات وصار لابن الريف المجال لأن يتدرج في التعليم الثانوي والعالي كابن المدينة إذا كانت لديه المؤهلات. ثم أن التربية القومية الحل الأول في التعليم وأصبح التلميذ العراقي على اتصال بكل أنحاء البلاد العربية تقريبا بواسطة مئات المعلمين الذين كنا نستقدمهم من سوريا ولبنان ومصر أو بواسطة البعثات العلمية التي كان قليل منها من اليمن وحضر موت أو الخليج وشمال أفريقيا.
فمعارف العراق قد لعبت قبل الحرب العالمية الثانية دورا رئيسيا في بعث الروح القومي وفي ربط شتى البلاد العربية ببعضها فكريا وأصبح المعلمون والطلاب رسلا للقومية العربية. وكان لي نصيب من ذلك.
أما البعثات العلمية فصارت ترسل إلى جهات مختلفة كألمانيا وفرنسا وسويسرا بعد أن كانت توجه وجهة واحدة تقريبا.
وفي الحرب العالمية الثانية أصر الإنكليز على إقصائي من التعليم فنقلت بدون موافقتي المشروطة قانونا إلى وزارة الخارجية ويمكن أن يشهد السيد محسن علي وزير المعارف آنذاك على هذه الحقيقة.
وحين نقلت إلى الخارجية ضد رغبتي أخذت على عاتقي خدمة القضايا العربية كافة عن طريق الاجتماعات الدولية والاتصالات الدبلوماسية وهذا بعض ما قمت به:
1 - حين ساهمت في مؤتمر سان فرنسيسكو 1945 ذلك المؤتمر الذي كتب ميثاق الأمم المتحدة وأسس المنظم كعضو في الوفد العراقي سعيت بكل قواي مع عدد من الأعضاء لا يتجاوزون الخمسة منهم سيد غروميكو وزير خارجية الاتحاد السوفياتي اليوم ومنهم الدكتور رميلو من الفليبين لإدخال نص مبدأ الاستقلال للشعوب التي تدخل تحت الوصاية في ميثاق الأمم المتحدة وبعد كفاح دام نحو الشهر ضد الدول الاستعمارية قبل المبدأ.
2 - سعيت لإدخال مبدأ حماية وتنمية الثقافة القومية للشعوب المحكومة في صلب الميثاق ووفقت إلى ذلك.
3 - هاجمت فرنسا هجوما عنيفا بقصفها دمشق وتساءلت عن صلاحها للدخول ضمن الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بسبب ذلك.
4 - ساهمت في وضع مادة في الميثاق تمنع عودة سوريا ولبنان للانتداب.
5 - لم ننجح مع الأسف في وضع مادة خاصة في صلب الميثاق لحماية فلسطين من الغزو الصهيوني بالرغم من كفاح دام أكثر من شهر ساهمت فيه كل الوفود العربية.
6 - وبعد مؤتمر سان فرنسيسكو أصبحت المدافع العراقي الأول عن قضية فلسطين فقد كافحت كفاح المستميت الطغيان الصهيوني أمام لجان التحقيق في القاهرة وفي صوفر، كما حضرت مؤتمر لندن حول فلسطين وكنت في الصف الأول في الكفاح في منظمة الأمم المتحدة. وأن خطبي ودفاعي عن فلسطين لو جمعت وطبعت وكلها موجودة لكونت مجلدات ولي الشرف أن الصهيونية تعتبرني العدو رقم واحد في منظمة الأمم المتحدة. الأمر الذي عرضني للتهديد والاغتيال في أمريكا في بعض الظروف وحين سجلوا أسطوانة (ولدت إسرائيل) في أمريكا لم يثبتوا من أصوات أعداء الصهيونية غير صوتين صوت هتلر وصوتي في الأمم المتحدة مناضلا ضد تقسيا فلسطين ومنذرا العراق بتأسيس إسرائيل.
7 - أما مصر فلم أنقطع عن العمل في سبيل جلاء بريطانيا عنها بالطرق الدبلوماسية منذ عهد النقراشي وزيرا للخارجية ثم بقيت بعد ذلك أسعى كسياسي بطرق مباشرة وغير مباشرة للجلاء عن مصر. وحين كنت رئيسا للوزراء وانقطعت المفاوضات بيننا وبين الأمريكان حول اتفاقية المساعدات العسكرية أرسلنا إلى سفيرنا في واشنطن برقية تحوي رسالة خاصة إلى دالس في 8 آذار 1954 أقول فيها إن العلاقة بين أمريكا والعرب لن تستتب ما لم تحل قضية فلسطين وتحرر شمال أفريقيا وما لم يتم الجلاء عن مصر.
ثم تقوية العراق وتسليحه فقد قدمت مصر على العراق وحين اجتمعت بالرئيس أيزنهاور في تموز سنة 1954 أثنيت على شخصية الرئيس جمال عبد الناصر وقلت له إن مفتاح حل القضايا العربي كلها هو الجلاء عن مصر فقال إنهم جادون في ذلك وسيتحقق الجلاء قريبا.
8 - أما ليبيا فقد بذلت جهودا متواصلة مع إخواني أعضاء الوفود العربية لإيجاد مخرج لتأمين استقلالها وذلك للملابسات العديدة بين الدول الكبرى حول ليبيا. وفي هذه المناسبة أود أن أذكر بأني حين كنت أناضل في سبيل استقلال ليبيا طيرت برقية مغرضة تقول إن الجمالي يريد وضع ليبيا تحت الانتداب الأمر الذي حمل زعماء ليبيا في الأمم المتحدة الذين يعرفون مبلغ جهادي أن يبرقوا محتجين على نشر هذه البريقات المدسوسة.
9 - أما مراكش (1) فقد ناضلت في الأمم المتحدة في سبيل استقلالها فقد عرضت قضيتها في باريس 1951 حتى نالت استقلالها حين أبعد ملكها المجاهد إلى مدغشقر بقيت أقارع فرنسا بأن ليس لها الحق في مس الملك المغربي وهو يحمل صفة الزعامة الدينية إلى جانب الزعامة الزمنية. فالزعامة الدينية هي من حق المؤمنين وحدهم التصرف بها هذا وأني لسعيد أن أبناء المغرب الكرام يذكرون العراقي المتواضع العامل في سبيل استقلال بلادهم.
هذا وأنه لشرف عظيم لي وللعراق أن يرشحني ملك المغرب في السنة الماضية لأكون عضوا في اللجنة التحكيمية بين المغرب وفرنسا لتبت في خطف فرنسا للزعماء الجزائريين ابن بلا ورفقائه الذين كانوا في طريقهم من مراكش إلى تونس على ظهر طائرة مراكشية ولي الشرف أيضا أن فرنسا احتجت على ترشيحي، الأمر الذي منع اشتراكي في لجنة التحكيم.
10 - حين فشلت المفاوضات بين إخواننا التونسيين وفرنسا سنة 1951 رغب إخواننا التونسيون في عرض قضيتهم في الأمم المتحدة في تقدم أي دولة في بادئ الأمر على تقديمها فقدمت اسم العراق فتبعتني الهند ثم السعودية ثم تلت الدول العربية الأخرى. والتونسيون لا ينسون ذلك كما لا ينسون دفاعي الحار عن استقلال تونس في الأمم المتحدة. ثم أدخلت الزعيم التونسي السيد صالح بن يوسف ضمن الوفد العراقي فأثار ذلك احتجاج فرنسا وسخطها ويشرفني أن تطلب الحكومة التونسية من الحكومة العراقية هذه السنة أن أكون ممثل العراق في مجلس الأمن حين تعرض شكوى تونس على فرنسا. كما يسعدني أن أكون اليوم مواطن شرف تونسي بفرار إجماعي من