سنة 568 - توفي الأمير يزدن وهو من كبار امراء بغداد وكان يتشيع، فوقع بسببه فتنة بين السنة والشيعة بواسط (1) لأن الشيعة جلسوا للعزاء واظهر السنة الشماتة به قال الأمر إلى القتال، فقتل بينهم جماعة، ولما مات اقطع اخوه تنامش ما كان لأخيه وهي مدينة واسط ولقب علاء الدين.
وذكر ابن الأثير حوادث سنة 568 خروجه إلى حرب بني حزن المفسدين بالعراق، وكان له دار مشهورة.
يزيد بن قيس اقتتلت المجنبتان يوم الجمل حين تزاحفتا قتالا شديدا يشبه ما فيه القلبان، واقتتل أهل اليمن فقتل على راية أمير المؤمنين من أهل الكوفة عشرة كلما أخذ رجل قتل، خمسة من همدان وخمسة من سائر اليمن، فلما رأى ذلك يزيد بن قيس أخذها فثبتت في يده وهو يقول:
قد عشت يا نفس وقد غنيت * دهرا فقطك اليوم ما بقيت أطلب طول العمر ما حييت وأنما تمثلها وهو قول الشاعر قبله.
وقال نمران ابن أبي نمران الهمداني:
جردت سيفي في رجال الأزد * أضرب في كهولهم والمرد كل طويل الساعدين نهد يزيد بن زياد أبو الشعثاء الكندي حدثني فضيل بن خديج الكندي أن يزيد بن زياد وهو أبو الشعثاء الكندي من بني بهدلة جثى على ركبتيه بين يدي الحسين فرمى بمائة سهم ما سقط منها خمسة أسهم وكان راميا فكان كلما رمى قال أنا ابن بهدلة فرسان العرجلة ويقول حسين اللهم سدد رميته وأجعل ثوابه الجنة فلما رمى بها قام فقال ما سقط منها إلا خمسة أسهم ولقد تبين لي أني قد قتلت خمسة نفر وكان في أول من قتل وكان رجزه يومئذ:
أنا يزيد وأبي مهاصر * أشجع من ليث بغيل خادر يا رب إني للحسين ناصر * ولإبن سعد تارك وهاجر وكان يزيد بن زياد بن المهاصر ممن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين فلما ردوا الشروط على الحسين مال إليه فقاتل معه حتى قتل.
يزيد بن مفرغ (2) نعود، في التاريخ العربي، إلى أوائل النصف الثاني من القرن الأول للهجرة، إلى عهد يزيد بن معاوية وقد استخلف على عرش بني أمية بعد أبيه، مؤسس النظام الملكي الوراثي.
وها نحن أولاء، نرى إلى جماهير الشعب العربي، في الأمصار والعواصم والأقاليم، يحسون ثقل هذا الحكم الجديد الرهيب، وقد زاده يزيد بعد أبيه، ثقلا وارهابا بما استهل به عهده من أفاعيل أنكرتها هذه الجماهير في سرائرها، ولم تستطع ان تظهر انكارها جهرا وعلانية من فرط ما تستشعر من عوامل الجزع والرهبة، وعلى رأسها جلادون من هنا وسفاكون من هنا، والعيون مبثوثة عليها في كل وجه تحبس أنفاسها وتسجل خفقات قلوبها، وأسباب الوشاية والنميمة ترصد الطريق على كل رائح وغاد ومتحدث. وهذه البصرة يحكمها، من قبل يزيد وال عرفه أهل هذا المصر بأنه شارك في مصرع الحسين بن علي يوم الطف بكربلاء، وعرفوه عليهم واليا مستبدا طاغيا ظالما يقيم الحكم فيهم بالارهاب والسعاية والوشاية وبالسجن والقتل والتعذيب، ذلك هو عبيد الله بن زياد.
كان ذلك ولآل زياد في الأمصار كلها، صيت يثير في نفوس الجماهير صورا شتى يقترن بكل واحدة منها معنى أقل شأنه انه يبعث السخر والابتسام، أو يبعث الحقد والسخط، أو يبعث الذعر والهلع.
وكان آل زياد يعرفون هذا كله في الجماهير، فيخشون نقمتها أو انفجار نقمتها، إذ يكبتونها بالارهاب من كل نوع وكل أسلوب.
وكان أخشى ما يخشونه، ألسنة الشعراء، ولا سيما الهجائين منهم وذوي الخلاعة والمجانة، فان مثل هؤلاء يكشفون للناس من العيوب والمساوئ ما كان آل زياد يتحامون ان ينكشف، أو أن تتحدث به الجماهير في حين يعلمون أن عند هذه الجماهير أنباء يتناقلونها عن آل زياد، سواء أصدقت هذه الأنباء أم كانت من الأكاذيب والأراجيف...
و هنا يبرز في البصرة شاعر يعرف فيه عبيد الله بن زياد قسوة الهجاء، وتعرف فيه جماهير البصريين حقده وسخطه على آل زياد لما شاركوا فيه من هاتيكم الأفاعيل في عهد يزيد، نعني بهذا الشاعر يزيد بن ربيعة بن مفرع.
وقد جاء لقب " مفرع " هذا، من أن جد الشاعر راهن على ظرف لبن ان يشربه كله، فشربه حتى فرع، فلقب " مفرغا ".
وشاعرنا يزيد بن مفرع يماني ينتمي إلى حمير، ويحالف قريش، ويبدو أنه كان علوي الهوى، وأن مصرع الحسين بن علي كان له أثر في أسباب حقده على آل زياد، وسنرى من شعره ما يدل على هذا.
ويبدو كذلك أن شاعرنا كان يتربص بال زياد، حتى تحين له الفرصة ان يكشف عوراتهم، وأن يعبر عن سخط الجماهير عليهم بهذا الهجاء الفاضح الذي عرف به.
وقد واتته الفرصة المرتقبة، حين ولي عباد بن زياد، أخو عبيد الله بن زياد، قيادة الجيش في خراسان، وولي سعيد بن عثمان عهد الولاية من قبل يزيد بن معاوية على خراسان نفسها، فطلب سعيد إلى شاعرنا هذا يزيد بن مفرغ، أن يصحبه، إلى موضع ولايته، فأبى ان يصحبه وآثر ان يصحب عباد بن زياد، وإنك لتعجب أول الأمر كيف يؤثر الشاعر أن يصحب عبادا وهو لم يطلب إليه ذلك، على حين يأبى ان يصحب سعيدا، وسعيد هو الذي يطلب إلى الشاعر أن يصحبه؟...
فهل تراه يكره صحبة سعيد بن عثمان، ويهوى صحبة عباد بن زياد؟.
هذا ما نشك فيه كل الشك، فإن الظاهر من حال سعيد مع الشاعر أنه يحبه ويخلص له الحب، ثم إن الظاهر مما سيأتي من حال الشاعر مع عباد بن زياد أنه ليس محبا لعباد هذا، وما كانت رغبته في صحبته إلى خراسان لأمر يعجبه فيه، ولكن لأمر آخر يبيته في نفسه، وسنعرف، بعد، هذا الأمر.
ويدلنا على ما بين يزيد ابن مفرغ وسعيد بن عثمان من صلة الود والصداقة ان سعيدا حين أعياه ان يقنع ابن مفرع بصحبته، قال له:
- " اما إذ أبيت أن تصحبني وآثرت عبادا، فاحفظ ما أوصيك به: ان