ضل وهوى، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. ولا حدث أكبر من قتل النفس عدوانا وظلما، ولا ذنب أعظم منه وزراء وإثما، وأن الفتى متى قتل فتى من حزبه سقطت فتوته ووجب أن يؤخذ منه القصاص عملا بقوله: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف و الأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص. وأن (من) قتل غير فتى عونا من الأعوان أو متعلقا بديوان في بلد سيدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على كافة الأنام الناصر لدين الله أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين فقد عيب هذا القاتل في حرم صاحب الحزب بالقتل، فكأنما عيب على كبيره فسقطت فتوته بهذا السبب الواضح، ووجب أخذ القصاص منه عند كل فتى راجح، وليعلم الرفقة الميمونة ذلك وليعملوا بموجبه وليجروا الأمر في أمثال ذلك على مقتضى المأمورية، وليقفوا عند المحدود في هذا المرسوم المطاع، ويقابلوه بالانقياد والاتباع - أن شاء الله تعالى - وكتب في تاسع صفر سنة أربع وستمائة.
وقال ابن الساعي: وسلم إلى كل واحد من رؤساء الأحزاب منشور بهذا المثال فيه شهادة ثلاثين من العدول. ثم كتب تحت كل مرسوم ومنشور ما هذا صورته. والظاهر أنه من انشاء مؤيد الدين القمي:
قال العبد ما تضمنه هذا المرسوم المطاع، وقابله مما يجب عليه من الانقياد والاتباع والامتثال وهو الذي يجب العمل به فتوة وشرعا، وهذا المعروف من سيرة الفتيان المحققين نقلا وقد ألزمت نفسي أجراء الأمر على ما تضمنه هذا المرسوم الأشرف فمتى جرى ما ينافي المأمورية، المحدود فيه كان الدرك لازما لي، والمؤاخذة مستحقة على ما يراه صاحب الحزب ثبت الله دولته، وأعلى كلمته وكتب فلان بن فلان أبو منصور محمد بن محمد بن المبارك الكرخي ذكره ابن الساعي في وفيات سنة 598 قال بعد ذكر أسمه: شيخ حافظ القرآن المجيد، قرأه بالقرءات وكان حسن القراءة جيد الأداء طيب الصوت شجيه، وكان يتشيع وينشد في المواسم بالمشاهد المقدسة ويعظ في الاعزية.
توفي في حادي عشر المحرم من سنة ثمان وتسعين المذكورة ودفن بمشهد الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام). " اه ".
وقال المنذري في وفيات السنة المذكورة بعد ذكر أسمه وتاريخ وفاته ووصفه بالمؤدب المغربي: قرأ القرآن الكريم بشئ من القراءات ببغداد على أبي محمد الحسن بن علي بن عبيدة، وبواسط على أبي بكر عبد الله بن منصور الباقلاني وغيرهما وسمع من أبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد وغيره. " اه ".
وترجم له ابن الدبيثي ترجمة أحسن مما نقلناه آنفا قال: محمد بن محمد بن المبارك الكرخي أبو منصور المقرئ المؤدب، كان يسكن الجانب الشرقي وله مكتب يعلم فيه الصبيان الخط، وكان حافظا للقرآن المجيد، حسن القراءة له، قرأ بشئ من القراءات على أبي محمد الحسن بن علي بن عبيدة وبواسط على شيخنا أبي بكر بن عبد الله بن منصور ابن الباقلاني وغيرهما، وكان ينشد الاشعار في مدح أهل البيت (عليهم السلام) في المشاهد وأوقات الزيارات سمع شيئا من الحديث من أبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن سلمان وغيره، ولم يعن بالرواية ولا حدث بشئ.
نصير الدين الطوسي محمد بن محمد بن الحسن مرت ترجمته في المجلد التاسع الصفحة 414 ونزيد عليها هنا ما يأتي:
عمله في انقاذ الاسلام كان نصير الدين الطوسي ضحية من ضحايا الغزو المغولي الأول، حينما اجتاحت جحافل جنكيز خان (1215 1227 م) البلاد الاسلامية ودمرت ما مرت به منها. وكان من تلك الضحايا مدينة نيسابور التي كانت تعج بالعلماء وتزخر بالمدارس.
ولم يكتف المغول بتدمير المدينة بل أعملوا السيف في الناس، فقتل من قتل واستطاع الفرار من استطاع، وكان بين الناجين نصير الدين الطوسي، فهام على وجهه يطلب الملجأ الأمين فوجده في قلاع الإسماعيلية الحصينة، تلك القلاع التي صمدت وحدها لجنكيز خان وصدته عن أسوارها، فظل حقد المغول مضطرما على الإسماعيليين إلى أن استطاعوا الثار منهم في عهد هولاكو حفيد جنكيز.
ولم يكن نصير الدين وحده هو الذي احتمى بهذه القلاع، بل لقد لجأ إليها كثير ممن استطاعوا الفرار والنجاة.
وعند ما تقدم المغول في غزوهم الثاني، وأعاد هولاكو سيرة جده، كانت الحملة هذه المرة من القوة بحيث هابتها القلاع الإسماعيلية فلم تستطع لها صدا، ونزل الأمير الإسماعيلي ركن الدين خورشاه على حكم المغول، فكان حكمهم قتله وقتل أعوانه ومن لجا إليه، واستثنوا من ذلك ثلاثة رجال كانت شهرتهم العلمية قد بلغت هولاكو فامر بالابقاء عليهم، ولم يكن هذا الإبقاء حبا للعلم وتقديرا لرجاله، بل لأن هولاكو كان بحاجة إلى ما اختص به هؤلاء الثلاثة من معارف، فاثنان منهم كانا طبيبين هما موفق الدولة ورئيس الدولة، والثالث كان مشهورا باختصاصه في أكثر من علم واحد هو نصير الدين الطوسي، وكان مما اختص به علم الفلك، وكان هولاكو مقدرا لهذا العلم تقدير حاجة لا محض تقدير، مؤمنا بفائدته له. لذلك رأيناه بعد ذلك يعني بانشاء مرصد مراغة ويوفر له كل ما يستدعي نموه وتقدمه...
جمع نصير الدين الطوسي إلى العلم الواسع العقل الكبير، فتريك سيرته رجلا من أفذاذ الرجال لا يمر مثله كل يوم. وتشاء الأقدار أن تعده لمهمة لا ينهض لها إلا من اجتمعت له مثل صفاته: علم وعقل وتدبير وبعد نظر، فكان رجل الساعة في العالم الإسلامي، هذا العالم الذي كان مثخنا بالجراح.
كانت مهمة الطوسي من أشق المهمات، وكانت أزمته النفسية من أوجع ما يصاب به الرجال، فإنه وهو العالم الكبير ذو الشهرة المدوية بين المسلمين، يرى نفسه فجأة في قبضة عدو المسلمين، ويرى هذا العدو مصرا على أن يبقيه في جانبه ويسيره في ركابه. وإلى أين يمشي هذا الركاب؟ أنه يمشي لغزو الإسلام في دياره والقضاء عليه في معاقله، فهل من محنة تعدل هذه المحنة؟
ان أقل تفكير في التمرد على رغبة القائد المغولي سيكون جزاؤه حد السيف... وأنني لا تخيل الطوسي متأملا طويل التأمل، مطرقا كثير الإطراق، لقد كان يعز عليه أن يذهب دمه رخيصا وأن يكون ذلك بإرادته هو نفسه، فلو