لي على الريق كل يوم ركوب * في غبار أغص منه بريقي اقصد القلعة السحوق كأني * حجر من حجارة المنجنيق فدوابي تحفى وجسمي يضنى * هذه قلعة على التحقيق " انتهى الفوات ".
وفي سنة 631 رجع الحاج إلى الحلة من بعض المنازل إذ بلغهم أن العرب الأجاودة طموا الآبار في منزل السلمان وعزموا على أخذ الحاج، فأشير على أمير الحاج بالرجوع فاستفتى بعض من كان معه من الفقهاء فافتوه بالرجوع، وأصيب الحاج بخسائر فادحة في الأرواح والأموال. فنظم علي بن البطريق قصيدة وسيرها إلى الخليفة يحرضه على قتال العرب الذين يتعرضون للحاج منها هذه الأبيات:
الكفر في الترك دون الكفر في العرب * أليس منهم إذا عدوا أبو لهب أليس منهم أبو جهل وبنتهم * عدوة المصطفى حمالة الحطب فيا امام الهدى يا من نظمت له المدائح يا ابن السادة النجب يا أيها القائم المنصور أنت ذا * حضرت وجه رسول الله لم يغب فاغز الأعاريب بالأتراك منتقما * منهم ولا ترع فيهم حرمة النسب فقد غزاهم رسول الله في حرم الله * المنيع بإذن الله وهو نبي وما رعى فيهم إلا ولا نسبا * ولم يقل ان أمي منهم وأبي ان ادعوا انهم قد أسلموا فقد * ارتدوا بمنعهم للحج عن كثب وقال عبد الله بن يعقوب بن داود: أخبرني ابني أن المهدي حبسه في بئر وبنى عليه قبة، فمكث فيها خمس عشرة سنة، وكان يدلى له فيها كل يوم.
رغيف خبز وكوز ماء، ويؤذن بأوقات الصلاة.
وقد قال له الرشيد بعد افراجه عنه: يا يعقوب بن داود والله ما شفع فيك إلي أحد، غير اني حملت الليلة صبية لي على عنقي فذكرت حملك إياي على عنقك فرثيت لك من المحل الذي كنت به فأخرجتك. وكان يعقوب يحمل الرشيد وهو صغير ويلاعبه.
يعقوب بن داود توفي في مكة سنة 187 وقيل 182.
كان أبوه داود بن طهمان واخوته كتابا لنصر بن سيار عامل خراسان للأمويين. وقد نشأ ولده يعقوب كما يقول ابن خلكان: أهل أدب وفضل وافتنان في صنوف العلم. وأول ما عرف من تشيعه انه كاتب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن حين خرج على المنصور، ثم انتهى الأمر بمقتل إبراهيم وفوز المنصور. وكان قد بلغ المنصور مكاتبة يعقوب لإبراهيم فقبض على يعقوب وأودعه سجن المطبق. ولا يذكر ابن خلكان شيئا عن مصير يعقوب طيلة حياة المنصور سوى قوله: ولما مات المنصور وقام بالأمر ولده المهدي جعل يعقوب يتقرب إليه حتى أدناه واعتمد عليه وعلت منزلته عنده وعظم شأنه، حتى خرج كتابه إلى الدواوين أن أمير المؤمنين المهدي قد آخى يعقوب بن داود فقال في ذلك سلم الخاسر:
قل للامام الذي جاءت خلافته تهدى إليه بحق غير مردود نعم القرين على التقوى أعنت به * أخوك في الله يعقوب بن داود ومن ذلك فإننا لا نعلم هل أن المنصور كان قد أطلقه بعد سجنه أم أنه بقي سجينا حتى تولى المهدي فاطلقه ثم قربه.
ولما حج المهدي 160 اصطحب معه يعقوب ويقول ابن خلكان: " وفي سنة احدى وستين تقدم إليه بتوجيه الأمناء إلى العمال في جميع الآفاق ففعل ذلك، فلم يكن ينفذ شئ من الكتب للمهدي حتى يرد كتاب من يعقوب إلى أمينه بانفاذه ".
ولم تأت سنة 163 حتى كان يعقوب قد أصبح وزيرا للمهدي مسيطرا على شؤون الدولة سيطرة كاملة. وعلى حد قول ابن خلكان: " وغلب يعقوب على أمور المهدي كلها ".
وفي ذلك يقول بشار بن برد:
بني أمية هبوا طال نومكم * ان الخليفة يعقوب بن داود ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا * خليفة الله بين الزق والعود ويبدو مما ذكره ابن خلكان أن بشارا لم يكن مبالغا في هذا القول، فابن خلكان يقول عن المهدي، مشيرا إلى أن يعقوب كان مغريا للمهدي فيما هو فيه: " ولما عزل - أي الوزير السابق - وولى يعقوب زين له هواه فأنفق الأموال وأكب على اللذات والشراب وسماع الغناء، واشتغل يعقوب بالتدبير ".
على أن ابن خلكان يناقض نفسه في هذا الموضوع، ويذكر كلاما يدل على أن يعقوب كان يحاول أن يكبح جماح المهدي في تصرفاته، فهو يقول: " وأراد المهدي امرا فقال له يعقوب: هذا يا أمير المؤمنين السرف، فقال: ويلك وهل يحسن السرف الا باهل الشرف ".
ثم يذكر ما يدل على أن يعقوب كان متبرما من تلك الأحوال وأنه كان يؤثر التخلي عن منصبه: " وكان يعقوب قد ضجر مما كان فيه، وسأل المهدي الإقالة، وهو يمتنع ".
وروي أن المهدي حج في بعض السنين فمر بميل وعليه كتاب، فوقف وقرأه فإذا هو:
لله درك يا مهدي من رجل * لولا اتخاذك يعقوب بن داود فقال لمن معه: اكتب تحته: على رغم أنف الكاتب لهذا وتعسا لجده.
على أنه لم يمض غير قليل حتى أوقع بيعقوب ونكبه كما يأتي. وكما يحدث لكل نافذ مسيطر من حسد الناس له ووقيعتهم فيه، حدث ذلك ليعقوب، فقد أكثر أعداؤه القول فيه وذكروا المهدي بتأييده لثورة إبراهيم على أبيه المنصور، فأراد المهدي أن يختبر حقيقة ما في نفس يعقوب من الميول الشيعية.
وندع هنا لابن خلكان أن يصف لنا ما جرى. قال ابن خلكان: " فدعا - اي المهدي - به - أي يعقوب - يوما وهو في مجلس فرشه موردة وعليه ثياب موردة وعلى رأسه جارية على رأسها ثياب موردة وهو مشرف على بستان فيه صنوف الأوراد، فقال له: يا يعقوب كيف ترى مجلسنا هذا؟ قال: على غاية الحسن فمتع الله أمير المؤمنين به. فقال له: جميع ما فيه لك، وهذه الجارية لك ليتم سرورك وقد أمرت لك بمائة ألف درهم، فدعا له. فقال له المهدي: ولي إليك حاجة، فقام يعقوب قائما وقال: يا أمير المؤمنين ما هذا القول الا لموجدة وأنا أستعيذ بالله من سخطك، فقال: أحب أن تضمن لي قضاءها، فقال:
السمع والطاعة، فقال له: والله، فقال له: والله فقال له: والله، فقال له: