المجلات والصحف العالمية. وظل مثابرا على الكتابة في الشؤون القومية والإسلامية والدولية حتى وفاته.
فؤاد عباس ولد سنة 1910 في (المربعة) من محلات مدينة الخالص في العراق، وتوفي سنة 1976 في بغداد ودفن في النجف الأشرف.
كان شاعرا مجيدا ولكن مقلا، على جانب كبير من طيب الذات ونبل النفس وصفاء الروح، وفيا كل الوفاء، عذب المعشر، أنيس المجلس طيب الحديث. محدثا بارعا ومعلقا ساحرا وفكهيا غاية في سبك النادرة، وإذا تحدث ينصت إليه الجميع.
أفاد من دراسته ومطالعاته علما ومعرفة، ولكنه - كما قال أحد أصدقائه بعد وفاته:: " إنه على غزارة معرفته وكثرة قراءته كان يحجم عن البحث والكتابة لأنه يرى أن الخلود بعد الموت وهم من الأوهام، وأن هذا الوقت الذي يقضيه بالبحث والكتابة جدير بأن يقضيه بالقراءة والمطالعة ليمتع نفسه أضعاف ما يمتعها بالكتابة ".
قال عنه صديق آخر: " كان أميل إلى الحديث والخطابة الارتجالية البليغة منه إلى الكتابة والتأليف، إذ كان مذوده يراعه، ولعل لسحر صوته الذي لا يمكن أن يدون على قرطاس أثرا في هذا المنحى الذي انتحاه ".
أنهى دراسته الابتدائية في (الخالص) ثم انتقل إلى دار المعلمين الابتدائية في بغداد وتخرج منها سنة 1931 وتولى التعليم الابتدائي في عدة مدارس ابتدائية، وعند البحث عن المتفوقين من خريجي الدراسة الثانوية ودار المعلمين لانضمامهم إلى البعثات التي ترسلها وزارة المعارف كان المترجم ممن اختيروا لإرسالهم إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وفيها تفتحت شاعريته. وتخرج من الجامعة الأمريكية سنة 1938 وعاد إلى العراق ليتنقل في الوظائف التعليمية بوزارة المعارف مدرسا ومديرا للمدارس الإعدادية ومحاضرا، ثم مفتشا اختصاصيا للغة العربية وآدابها سنة 1960 حتى سنة 1973 حيث أحيل على التقاعد.
شعره:
من شعره قصيدة نظمها عندما كان طالبا في بيروت:
تهادين من كل الجوانب كالقفر * على رأس بيروت إلى ساحل البحر كواعب أتراب كأن وجوهها * يفيض بها ماء الملاحة والبشر فمنهن من قد أسفرت وتبذلت * وقد لاح ما بين الترائب والنحر حصان رزان بضة قسماتها * مهفهة الأعطاف ناهدة الصدر ومنهن من قد حجبوها لأنها * تريش من الألحاظ سهما من السحر فغيب مسود النقاب جمالها * كما غيبت سود السحاب سنى البدر خرجن ليستروحن طيب نسائم * ويشخصن بالأبصار في مسرح الفكر وفي جانب منهن شيدت مساكن قصور وأكواخ لمثر وذي فقر فثمة قصر قائم شامخ الذرى وثمة كوخ جاثم واطئ الجدر وبالقرب منه دوحة قام فوقها * حمام بوكركم شجى الناس بالهذر وقد طرزت أيدي الربيع ونمقت * بساطا من الريحان والعشب والزهر وفي جانب منهن بحر وشاطئ * عليه من العشاق طير بلا وكر تنهد صدر البحر بالموج مزبدا * يبث لعين الشمس برح الهوى العذري فأخلجها بالعتب فاصفر لونها * فأهدته - كي يهدا - ذوائب من تبر ولكنها لما رأته مقطبا * قد ازرق كالمخنوق من غصة الهجر دنت نحوه تبغي رضاه وأقسمت * يمينا بان تلقاه باسطة العذر وفي الأفق من بعد العتاب تعانقا * فقبلها عشرا وزاد على العشر وجارية قاد البخار زمامها * وحيزومها كم هيج الماء إذ تسري لقد سئمت طول الطواف فأرسلت * بآهاتها تترى حنينا إلى البر توسل في ربانها كي يريحها * ولكن للربان قلبا من الصخر وتنفث من غليونها بدخانها * لتجلو هموما قد جثمن على الصدر فلما أجلن الطرف في كل منظر * هتكن به ما للطبيعة من ستر تحلبن معسول الأماني والمنى * وكم خففت بعض الأماني من الضر فهذي تود الشمس تاجا وهذه * تمنت لها عقدا من الأنجم الزهر وتلك تريد الليل كحلا لجفنها * وأخرى حلال السحر من فمها يجري فهيجن مني ذكريات دفنتها * وأذكرنني ما كان في سالف العصر وأطلقن مسجونا - فؤادي - وطالما * بخلت عليه بالفكاك من الأسر فهب طروبا ثم راح مغازلا * وجوه الأماني وهي باسمة الثغر وعاوده الشوق القديم مذكرا * (عيون ألمها بين الرصافة والجسر) ذكرت رياضا جمة وبواسقا * كأن بها شوقا إلى مطلع البدر تراقصها ريح الشمال عشية * فتهتز كالنشوان مال من السكر تذكرت صوب الكرخ والكرخ مربع * قضيت به صفو الشبيبة من عمري فيا رأس بيروت سلاما وعصمة وخلدت في الدنيا إلى أبد الدهر وقال أيضا وهو طالب في بيروت:
لن أبالي أن تبخلي أو تجودي * يا ليالي فانقصي أو فزيدي بعد ما قد شهدت ليلة أنس * خلفتني كمسلم بن الوليد ليلة لاحت (الكومون روم) فيها * غادة قد تزينت صبح عيد فالخوانات قرطقت بزهور * والعواميد منطقت بورود مدت البسط والزرابي بثت * وأعدت للقوم دار الخلود ومشى في الفناء سرب حمام * برياش من زاهيات البرود فخدود تضئ والضوء سحر * وزجاج يضئ دون وقود وغصون تميس من غير ريح * بثمار من راقصات النهود وهناك (الفؤاد) أصبح نهبا * بين زرق من العيون وسود أيها القائلون إن جنان الله * مخصوصة بدين وحيد هذه جنة حوت كل دين * من نصارى ومسلمين وهود وقفوا يشربون قلت هنيئا * كظباء الغدير حين الورود فسقى الحسن ورد تلك الخدود * وسقى الدل بان تلك القدود والعذاري خطون كالطير مثنى * وثلاثا من مزوج وفريد وفتى لم يكن لديه جواز * ود لو يشتري ببذل النقود