تغلسوا من زرود وجه يومهم * وحطهم في ظلال البان تهجير وجاذبوا الجزع من وادي الأراك وقد * تعصبت بالغروب الأحمر القور وضمنوا الليل سلعا ان رأوه وقد * غنت على قنتي سلع العصافير وكيف لا يستطيب العشب رائدهم * وكل واد لهم بالدمع ممطور أطبقت جفني على ضوء الصباح لهم * حفظا فما لنهار فيهما نور موسى الزين شرارة توفي في بلدة بنت جبيل جبل (عامل سنة) 1406 (1986) ودفن فيها ترجم نفسه بقلمه فقال فيما قال:
ولدت سنة 1902 م في بلدة بنت جبيل وفي سنة 1908 توفي المرحوم والدي وهو في ريعان شبابه وبقيت مع الوالدة التي كنت أغفو وأستيقظ على نواحها وبكائها الأمر الذي أرهف حسي وجعلني أحس مع كل مصاب وأتألم مع كل منكوب وأهب لمساعدة كل مظلوم ولكني بالرغم من هذا كنت ولا أزال متفائلا مرحا أتلقى ضربات الأحداث مهما قست بالبسمة والصبر والثقة بالنفس منشدا:
ولما ان رأيت الدهر بغيا * إلى حربي، بلا سبب، تطوع لبست له متين الصبر درعا * وقلت له الا ما شئت فاصنع فزد يا دهر بالنكبات إني * أقابلها بصدر منك أوسع وجرد ما استطعت من الرزايا * فخصمك من عرين الليث امنع عجبت لمن يطاطئ للرزايا * ومن يشكو لدهر ليس يسمع ومن يخشى ويرهب مستبدا * ولمن لسوى الذي سواه يركع الذي أذكره من العهد التركي هو ما كان في سنة 1914 السنة التي توفي بها الشيخ عبد الكريم شرارة ابن الشيخ موسى شرارة العالم الكبير المعروف من الجميع حيث بهذه المناسبة جاءت وفود كثيرة لبنت جبيل من شتى القرى والمدن العاملية وكذلك الفلسطينية المجاورة للمشاركة بتشييع الجنازة وتقديم التعزية وقد حضر بهذه المناسبة أيضا ضابط تركي مع ثلة من الجنود للمحافظة على الأمن وهذا الضابط يدعى " عارف بك الحسن " وهو عربي من طرابلس الشام - كما كان يقال في ذلك الوقت - وبعد تشييع الجنازة استدعى جميع مخاتير القرى التي كانت موجودة وأمرهم بفض التحارير المغلقة التي كانوا تلقوها من الحكومة وطلبت أن لا تفض إلا بأمر منها وقد تبين أن مضمونها دعوة لسفر برلك " أي التجنيد العام وأنه يجب على جميع الذكور من سن 18 إلى سن 40 أن يكونوا بتارخ عينه لهم في قاعدة القضاء - وقد كان جبل عامل بذاك الوقت ثلاثة أقضية. قضاء صيدا وصور ومرجعيون - لأجل المعاينة والاحصاء وإثبات الوجود وقد لبى الجميع الدعوة وبعد المعاينة جندوا منهم " الاسكيه " أي " المدربون " وساقوهم فورا وسمحوا للباقين بالعودة لقراهم وأن يكونوا تحت الطلب.
لقد وضعتني والدتي عند " الشيخ المحلي " سنة 1908 وكنت في السادسة من عمري فقرأت عليه الأحرف الهجائية وبعدها القرآن الكريم وبعدها الكتابة على " اللوح " واللوح هذا من تنك حيث كان السمكري يجعل من تنكة الكاز أربع ألواح يبتاعها منه الطلبة ويكتبون عليها بقلم غزار. والمداد كان من حجر كلسي يسمونه " الفرس " كنا نذيبه في الماء كالكلس ونكتب به وكان الأستاذ أي الشيخ يكتب لنا سطرا بأعلى اللوح " يسميه القاعدة " والتلميذ يكتب مثلها فبعد أن يملأ اللوح يحمله للأستاذ الذي يعاينه فإذا كان الخط جيدا والنقل صحيحا يقول " عفارم " وإلا فعلى كل غلطة ضربة قضيب على يده الصغيرة والقاعدة هذه غالبا ما تكون بيت شعر.
بعدها انتقلت لمدرسة شيخ إيراني لأتعلم الخط الذي يسمونه " ديواني " وأكتبه بالخط الصغير وبالحبر.
ثم دخلت المدرسة الحكومية التي أنشئت سنة 1913. ولم يكن سوى هذه المدرسة بكل منطقة بنت جبيل والذي أذكره أن عدد الطلاب فيها لم يتجاوز المئة طالب أما عدد الأساتذة فهو واحد، وكان عازبا وفي ذلك الوقت كان لا يوجد مطعم في البلدة فيفرض كل يوم على عدد معين من التلامذة تامين طعامه اليومي وبالطبع لم يكن هذا الطعام من نوع واحد فكان عنده طنجرة يضع فيها كل ما يأتيه من طبيخ ويخلطه ويضعه على النار ويأكله.
وبعد المدرسة كان على من يحب الثقافة أن يتابع تحصيله بنفسه وأن يقصد مجالس رجال الدين حيث كان هؤلاء يتندرون بالشعر ويحفظونه ويروونه ويعنون بالاخبار ويمتحن بعضهم البعض الآخر بقواعد اللغة ويتراسلون بالاشعار وقد جذبتني هذه المجالس إليها خصوصا مجلس الشيخ علي شرارة الذي كان يرعى نشاتي الأدبية والقى لديه كل تشجيع.
وقد كانت أول قصيدة لي سنة 1928 نشرتها في مجلة العرفان وكان عنوانها " العلم " ومطلعها:
العلم نور يهتدى بسنائه * لولاه تاه الكون في ظلماته وقد ختمتها بعرض حالة الجهل التعيسة في الجنوب فقلت:
عجبا أراه وقد تلألأ نوره * وهدى الأنام إلى الهدى بضيائه وأهاب فيهم داعيا فتجندوا * ومشوا لحرب الجهل تحت لوائه الا بنو وطني إذا اعشاهم * في نوره وثبوا إلى اطفائه والمطفئون له هم كبراؤه * يا ويح هذا الشعب من كبرائه قد أوصدوا باب العلوم بوجهه * ليظل يخبط في ظلام غبائه أرأيت أسوأ حالة من موطن * كبراؤه والدهر من أعدائه والعلم فيه مكافح ومطارد * كالفقر أو كالداء من زعمائه وقد قادني المشوار الطويل على هذا الطريق إلى مجابهات عديدة كان أبرزها مع أحد رجال الدين الذي حكم بكفري وسفك دمي عام 1933 أما السيد محسن الأمين الذي كان رائدا من رواد الاصلاح فقد رد على الفتوى وصاحبها ردا عنيفا.
وقد قلت في هذا الحادث قصيدة منها.
قالوا كفرت فقلت في أفعالكم * وسخرت من تضليل كل مدجل يغري الأنام بعمة نسجت على * نول الرياء لصيد كل مفضل كبرت قماشا انما صغرت حجى * فبدت كبرج فوق حبة خردل قسما بقدس ترابها لو أنطقت * لتألمت من لمس تلك الأنمل قد كنت أخشع إن رأيت عمامة * كخشوع راهبة أمام الهيكل والآن إن لاحت أفر أمامها * ذعرا فرار طريدة من أجدل وقد قلت بعد ذلك في إحدى المناسبات الوطنية:
بلادي يا جنان الخلد حسنا * ويا أرض النبوع والابتكار ويا أم الألى جلوا وصلوا * بميدان المكارم والفخار