7 - بعد تشكيل وزارة أرشد العمري ظهرت قرحة في معدتي سببها القلق والإرهاق أيان الفيضان فاضطررت إلى مغادرة العراق ودخولي المستشفي في بيروت ثم الاستشفاء في الجبل. في أثناء استشفائي زارني السادة صبري العسلي رئيس وزراء سوريا وعبد الرحمن العظم وزير المالية في سوريا والسيد عدنان الأتاسي من حزب الشعب والسيد ميخائيل أليان من الحزب الوطني والسيد حسني البرازي مستقل وأظن هناك شخص آخر أو اثنين واستمعت إلى آرائهم بالرغم من مرضي وسوء حالتي الصحية، ورفعت تقريرا بذلك أرسلته بصيغة كتاب شخصي وسري إلى رئيس الوزراء أرشد العمري. ثم زارني بعد ذلك السيد العسلي وتباحثنا ثانية، ودفعت مبالغ لتصرف للدعاية واستعداد الجيش العراقي للتدخل إذا لزم الأمر وهذا لم يكن ممكنا بدون أسس شرعية، وهي ليست متوفرة. وضمان عدم هجوم إسرائيل التي كانت تلك السنة قد قامت بعدة اعتداءات فاجعة على الأقطار العربية المجاورة منها حادثة قبيه ونحالين وذلك عن طريق التفاهم مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإنكلترا هذا ولم تقم وزارة أرشد العمري بأي عمل ولم تنفذ شيئا من الرسائل التي أرسلتها ووضعت مكاتيبي على الرف لا سيما وأنا مريض وقد سافرت إلى أمريكا للفحوص الطبية. عدت من أمريكا والوزارة مستقيلة وقد شكل نوري السعيد وزارته التي دامت ثلاث سنوات من 1954 و 1957 ولم أشترك فيها ولم يكن لي منذ ذلك الوقت أي دور رسمي في موضوع الانتخاب لا سيما أي ونوري السعيد لم نكن على تفاهم حول الموضوع بل بقيت بأني معروف بالاهتمام اهتماما بالغا بالاتحاد بين القطرين وهذا واقع.
قبيل صيف سنة 1955 شكلت لجنة من وزير الخارجية برهان الدين باش أعيان ونائب رئيس الوزراء أحمد مختار بابان وتوفيق السويدي وفاضل الجمالي ورفيق عارف وسكرتارية يوسف الكيلاني وكيل وزير الخارجية للنظر في موضوع العلاقات بين سوريا والعراق. اجتمعت اللجنة اجتماعا واحدا فقط في وزارة الخارجية ولا أتذكر ما دار فيها من أحاديث وكل ما أتذكره هو أننا انتهينا بتكليف السيد توفيق السويدي الذي كان عازما على الاصطياف في لبنان بالاتصال مع ساسة سوريا والتوصل إلى ما يمكن من تحسين الروابط وتحسين العلاقات والسير في طريق الاتحاد. ولم تجتمع اللجنة بعد هذا الاجتماع ولم أسمع لها أي ذكر أو أي أثر.
سنة 1955 قضيت قسما من الصيف في برمانة مصطافا وبطبيعة مركزي السياسي كنت أزور وأزار من قبل رجال الأقطار العربية الذين أعرفهم ومن جملتهم عدد من إخواننا السوريين، فقد زارني وزرت أشخاصا من جميع الأحزاب ومن مختلف وجهات النظر في سوريا تقريبا من الحزب الوطني ومن حزب البعث ومن حزب كان يراد تأسيسه باسم حزب الاتحاد، وعرفني الملحق العسكري على بعض أعضاء الحزب القومي الاجتماعي أيضا.
لم تكن هذه الاتصالات سوى اتصالات شخصية الغاية منها الاستطلاع والتعرف وربما كان أهم اتصال أثر في هو اتصالي برئيس أركان الجيش السوري الأسبق الذي رغب أن يتعرف على شخصية عراقية غير مسؤولة فرحبت بالاجتماع به. اجتمعت به في دمشق فوصف لي الوضع في سوريا اليوم قال إنه أشبه ما يكون بوضع الدولة العثمانية في أواخر أيامها هي كانت تدعى بالرجل المريض، الكل يتدخلون بشؤونها مصر والسعودية والعراق والإنكليز والأمريكان والفرنسيون والسوفيت والأتراك والطليان وغيرهم وحتى إسرائيل لها عملاء وجواسيس. وقال أنه يرجو أن تصبح العلاقات بين سوريا والعراق تعاونية وودية بعد انتخاب رئيس الجمهورية في ذلك الصيف.
وفي الحقيقة أني تأثرت وتخوفت على سوريا من هذا الوصف ومنذ ذلك الحين أصبحت منكمشا ومتخوفا على الوضع في سوريا ولم أعمل شيئا ولم أكلف بأي عمل في سبيل الاتحاد إلى يومنا هذا.
سنة 1956 لم أشتغل في القضية السورية بل كنت معظم الوقت متجولا لا سيما في شمال أفريقيا وأوروبا والأمم المتحدة.
اجتماع في وزارة الخارجية الأمريكية شباط 1975.
وصل أمريكا في أوائل شباط 1957 وفد برئاسة ولي العهد (الأمير عبد الإله) وعضوية كل من السادة توفيق السويدي وعلى جودت الأيوبي وصالح جبر وأحمد مختار بابان وكنت آنذاك مترأسا الوفد العراقي في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، وكان موضوع العدوان الثلاثي المسلح على مصر يشغل الجمعية وكنت منغمسا في الموضوع طلب إلي الالتحاق بالوفد فذهبت إلى واشنطن واجتمع الوفد في الليلة السابقة بوزير الخارجية في غرفة ولي العهد وبحثت المواضيع التي ستثار مع المستر دالس، واقترح السويدي أن لا يتكلم أعضاء الوفد بل يتكلم فاضل الجمالي باسم الجميع، وكانت الغاية التي فهمتها من مجئ الوفد هي العمل على حمل أمريكا لتحل قضية فلسطين وتخلق جوا تتحسن فيه العلاقات بينها وبين البلاد العربية وذلك لكي يقوى مركز العراق السياسي في البلاد العربية وفي اليوم التالي اجتمعنا بوزارة الخارجية الأمريكية فابتدأنا بموضوع فلسطين وإذا بأعضاء الوفد جميعهم ساهموا بالمناقشة وأشغلوا معظم الوقت فلم يبق وقت كاف لمعالجة المواضيع الأخرى، تكلمت أنا باسم الوفد حول بعض المواضيع الأخرى ولا أتذكر بالضبط ما قلت ولكن أتذكر أني في موضوع مصر طالبت بضرورة طرد إسرائيل من الأراضي المصرية وغزة فورا، وعدم السماع لوزيرة خارجية إسرائيل بالمماطلة في شروط الانسحاب. أجاب مستر دالس أن أمريكا هي التي حملت إنكلترا وفرنسا على الانسحاب. قلنا إن هناك رأيا في البلاد العربية أنه لولا تهديد روسيا لما انسحبت إنكلترا وفرنسا فعلق الجانب الأمريكي أن تهديد الروسي جاء بعد الضغط الأمريكي، وأن التهديد السوفياتي لم يكلف روسيا شيئا بينما موقف أمريكا كلفها كثيرا فقد أغضبت صديقين حليفين بحملها على الانسحاب. وهنا انتهى البحث بعد أن أكدنا ضرورة طرد إسرائيل من الأراضي المصرية وغزة فورا بدون قيد أو شرط، أما سوريا فلا أتذكر ما قلته بحقها ولكن أحتمل أشرت إلى تخريب مكان ضخ النفط والأضرار التي ستلحق بالعراق من جراء ذلك كما أشرت إلى ضرورة طرد إسرائيل من الأراضي المصرية بسرعة لأن الحكومة السورية أعلنت أن تصليح مكائن النفط لن يسمح به إلا بعد جلاء إسرائيل تماما من الأراضي المصرية وغزة. هذا ما أتذكره وأنا حينما كنت في الوفد لم أتكلم بآرائي الشخصية بل كنت أتكلم باسم الوفد ولا يعقل أن الوفد جاء إلى واشنطن ليمس مصالح سوريا أو مصر في ذلك الاجتماع وبذلك مع احترامي لمن كتب المحضر أو التقرير الذي تلي في حينه ولم أطلع عليه أعتقد أنه بعيد عن الواقع.
الاجتماع بلوي هندرسون في أسطنبول.
كانت كل من الحكومتين التركية والعراقية قد اتفقتا على الاستفسار من أمريكا عن خطورة الخطر الشيوعي في سوريا وذلك على ضوء الدعايات والأخطار التي تشير إلى ذلك فأوفدت الحكومة الأمريكية السيد لوي هندرسون إلى أسطنبول ليوضح وجهة النظر الأمريكية. ولما كنت زائرا لتركيا في الصيف الماضي دعاني السفير العراقي تلفونيا يطلب حضوري إلى قصر يلدز بأمر الملك فحضرت ووجدت من الجانب العراقي الملك وولي العهد وأحمد مختار بابان والسفين العراقي ورئيس أركان الجيش. تحدث المستر هندرسون وبين أن أمريكا تؤيد وجود خطر شيوعي في سوريا ولكنها لا تتدخل وترك الأمر إلى الحكومة العراقية فمتى شعرت الحكومة العراقية بالخطر