والقصة تكذب نفسها بنفسها، وخلاصتها ان قائد الحجاج طلب من ملك الهند أن يملأ له قاعة القصر ذهبا ليكون ذلك الذهب غرامة حربية وان الملك استجاب لذلك فملأ القاعة ذهبا!
ان الكاتب نفسه يعلم أن أحدا ذا عقل سليم لا يمكن ان يصدق هذه الرواية، لذلك قرنها كما ذكرنا من قبل - بقوله (كما تقول الرواية) و (يقال). ومع ذلك فقد انهى القصة بجعله لها حقيقة مسلمة فقال:
" أرسل القائد الشاب ذلك الذهب كله إلى الحجاج حاكم العراق، وانفق الحجاج هذا المال في إصلاح العراق وفي حاجات البلاد المفتوحة! ".
ليتصور القارئ قاعة قصر إمبراطور الهند، وليتصور سعتها ومساحتها بالأمتار المكعبة. إنها ليست كوخا، بل قاعة قصر إمبراطور الهند، وكفى ذلك وصفا لطولها وعرضها وارتفاعها، ليتصور القارئ ذلك، فإذا تصوره فهل يتصور ان انسانا ذا عقل سليم يمكن ان يصدق ان أحدا يمكنه ان يملأها ذهبا، ولو كان إمبراطور الهند، لا سيما إذا كان هذا الأمر قد تم في طرفة عين!
بمثل هذه الخرافات الساذجة المفضوحة يريدون ان يغطوا فظائع جلادي الشعوب.
كلمة الختام كما قلت في مقدمة الكتاب: إذا بقيت في الحياة بقية - وانا الآن عند تحرير هذه الكلمات في السابع من جمادى الثانية سنة 1407 والسادس من شباط سنة 1987 على أبواب الثمانين - إذا بقيت في الحياة بقية، فاني سأتابع تدوين ما يجب تدوينه واستدراك ما فات وإذا شاءت إرادة الله غير ذلك فلعل وراء الغيب من سيوفقه الله للسير بموسوعة (أعيان الشيعة) مع الزمن جيلا بعد جيل لتظل مؤدية رسالتها، ناهضة بمهمتها، وليس ذلك على الله بعزيز.
والآن - وانا أخط آخر سطر في هذه المستدركات - أودع القراء الكرام وداع المشوق إليهم، المعتز بهم، الشاكر عطفهم. أودعهم وانا لا أدري ان كان سيقدر لي بعد ان ألقاهم أم لا. فإذا شاء الله ان ألقاهم مرة ثانية فسيطول الحديث بيننا، وإذا لم يشأ ذلك فليذكروا ابدا هذا الذي حرص كل الحرص وجهد كل الجهد على أن يقدم لهم الحقائق ناصعة، وان يحفظ تاريخ فئة من الناس كان يخشى عليها الضياع.
أقول هذا وانا اعرف ان الكمال لله وحده، وكم يكون متفضلا علي من يرشدني إلى خطأ وقعت فيه، أو يدلني على حقيقة جهلتها.
هذه كلمتي إلى الجيل الذي يعاصرني وأعاصره، أما الأجيال الآتية التي ستقرأ ما دونته لها في هذه الأوراق، ستقرأ ذلك في أزمان غير زمننا وأحوال غير حالنا، فلعلها ستجد فيما ستقرؤه بعض الصورة عنا: أدبا وعلما وفكرا ونضالا. فإذا وجدت ذلك فحسبي به تعزية عن كل عناء كابدته في سبيل ايصال هذه الصورة إليها.
وسلام عليكم أيها القارؤون في هذا الربع الأخير من القرن العشرين، وأيها القارؤون فيما بعده من قرون.
حسن الأمين ابن السيد محسن الأمين هذا ما كتبته عند إصداري الطبعة الأولى من هذا المجلد. وقد شاء الله أن تبقى في الحياة بقية فيتاح لي مواصلة إصدار مجلدات (المستدركات) حتى المجلد الثامن وإصدار هذه الطبعة الثانية في هذا المجلد في 25 جمادى الأول سنة 1418 و 27 أيلول سنة 1997 وأنا في التسعين من العمر.