والله، ثلاثا، فقال له: ضع يدك على رأسي واحلف به، ففعل ذلك، فلما استوثق منه قال له: هذا فلان بن فلان، رجل من العلوية أحب أن تكفيني مؤونته وتريحني منه فخذه إليك، فحوله إليه وحول إليه الجارية وما كان في المجلس والمال، فلشدة سروره بالجارية جعلها في مجلس يقرب منه ليصل إليها، ووجه فاحضر العلوي فوجده لبيبا فهما، فقال له: ويحك يا يعقوب تلقى الله بدمي، وأنا رجل من ولد فاطمة بنت محمد، فقال له يعقوب: يا هذا أفيك خير؟ فقال: أن فعلت معي خيرا شكرت ودعوت لك، فقال له: خذ هذا المال وخذ أي طريق شئت، فقال: طريق كذا وكذا آمن لي. فقال له:
امض مصاحبا. وسمعت الجارية الكلام كله، فوجهت مع بعض خدمها به، وقالت: قل له: هذا فعل الذي آثرته على نفسك بي وهذا جزاؤك منه، فوجه المهدي فشحن الطريق حتى ظفر بالعلوي وبالمال، ثم وجه إلى يعقوب فأحضره، فلما رآه قال: ما حال الرجل؟ قال: قد أراحك الله منه، قال:
مات؟ قال: نعم، والله؟ قال: والله. قال: فضع يدك على رأسي، فوضع يده على رأسه وحلف به، فقال: يا غلام اخرج إلينا من في هذا البيت، ففتح بابه عن العلوي والمال بعينه، فبقي يعقوب متحيرا، وامتنع الكلام عليه فما درى ما يقول، فقال له المهدي: لقد حل دمك، ولو آثرت اراقته لأرقته، ولكن احبسوه في المطبق، فحبسوه، وأمر بان يطوى عنه خبره وعن كل أحد. وبقي محبوسا طيلة حياة المهدي وجميع أيام الهادي موسى بن المهدي وخمس سنين وشهورا من أيام هارون الرشيد. ثم ذكر يحيى بن خالد البرمكي أمره وشفع فيه، فأمر باخراجه فأخرج وقد ذهب بصره، فأحسن إليه الرشيد، ورد إليه ماله وخيره المقام حيث يريد فاختار مكة فاذن له في ذلك، فأقام بها حتى مات. " الشيخ يوسف بن المطهر الحلي والد العلامة الحلي هو الشيخ سديد الدين يوسف بن الشيخ شرف الدين علي بن المطهر.
كان فاضلا فقيها متبحرا في العلوم العقلية والنقلية. قال ابن داود في رجاله:
كان فقيها محققا مدرسا عظيم الشأن. اه وقال صاحب أمل الآمل: فاضل فقيه متبحر، نقل ولده العلامة أقواله في كتبه. اه.
يوسف رجيب ولد في النجف سنة 1900 م ودرس فيها واتجه اتجاها أدبيا كاتبا وناقدا بصيرا وواكب الحركات الوطنية في العراق وساهم فيها بقسط وافر وأصدر سنة 1925 م في النجف الأشرف جريدة أسبوعية باسم (النجف) وفي سنة 1927 م استوطن بغداد وتولى تحرير جريدة النهضة لسان حال حزب النهضة، ثم عمل في الوظائف الحكومية. توفي سنة 1947 م السيد يونس الأردبيلي ابن فتح علي ولد سنة 1293 في أردبيل وتوفي سنة 1377 في مشهد الرضا درس المقدمات في أردبيل ثم في زنجان ثم سافر إلى النجف الأشرف فحضر على اليزدي والخراساني وغيرهما. وفي سنة 1346 سافر إلى مدينته أردبيل ولكنه لم يطل الإقامة فيها فغادرها إلى مشهد الرضا وبعد احداث المشهد في عهد الشاه رضا بهلوي التي سجن المترجم بسببها، عاد إلى أردبيل وظل فيها حوالي ثماني سنوات حيث سقط البهلوي فعاد إلى المشهد فبقي هناك مرجعا من مراجعه حتى وفاته.
ملحق بالمستدركات هذه مقالات لا تدخل في باب التراجم الذي هو موضوع (أعيان الشيعة ) ومستدركاته، ولكن لها صلة وثقى بهذا الموضوع لذلك جعلناها ملحقا للمستدركات:
الأمويون والاسلام والعروبة في الكلمة التي كتبها كاتب في جريدة النهار حرص كل الحرص على التنويه بعروبة الدولة الأموية وأغرق في ذلك ما شاء له الاغراق.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يبدي فيها الكاتب هذا الرأي فقد سبق له ان أبداه أكثر من مرة، وعاد هنا يكرره ويشيد به... وليس هو وحده الذي يقول هذا القول، بل هناك غيره ممن سبقوه اليه ونادوا به مجاهرين مفاخرين... فما هي الحقيقة في ذلك؟
نحن نريد أولا ان نسلم - جدلا - بصحة هذا القول، ولكننا نريد ان نسأل هذه الجماعة هل ان النبي محمدا صلى الله عليه وآله وسلم المؤسس الأول للدولة انما قصد بتأسيسها ان يحل محل الحكمين البيزنطي والساساني الاستبداديين الظالمين المتحكمين بشعبيهما تحكما فرديا لا يبالي بان يستبيح الدماء والأموال والكرامات، ولا يهمه استفحال الفقر بالفقراء واستشراء الغني بالأغنياء، وتميز فئة محدودة بكل الخيرات، وتميز جمهور الشعب بالبؤس والفاقة والذل، هل كان قصد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان يحل محل هذين الحكمين حكم عربي فيه المفاسد نفسها، ولا يبرره الا انه حكم عربي؟.
أم ان مقصد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم برسالته الاسلامية وتأسيسه للدولة الجديدة أن تكون ثورة عالمية على فساد الحكام والتمييز بين الطبقات، وتطبيق القانون على الناس جميعا، واحلال الكفاءة والاخلاص محل الأنساب، وتوزيع الثروات على الناس توزيعا عادلا، واحلال الشورى محل الاستبداد وإلغاء التمييز العنصري إلى غير ذلك مما ليس هذا مجال تعداده. ان كانت رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم تستهدف الأمر الأول، فيحق لنا حينئذ ان نباهي بالعروبة المزعومة للدولة الأموية... واما إذا كانت تستهدف الأمر الثاني، فان علينا ان نخجل كل الخجل من المصير الذي صارت اليه الشعوب كلها بما فيها الشعب العربي من الانقلاب على الحكم الذي هدفت اليه رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ولكن ما هي حقيقة عروبة الدولة الأموية؟ أ صحيح انها استهدفت مصلحة العرب؟
الاحداث تجيب لنترك الاحداث تجيبنا على ذلك فنحن نعلم أن العرب قبل الاسلام كانوا منقسمين على أنفسهم قبائل، لا يرى الواحد منهم من فخر له الا بقبيلته وحدها، ولا شأن له ببقية العرب، وان انتماءه انما هو لهذه القبيلة، وانه يستبيح دماء أي فرد من قبيلة أخرى إذا حاولت منافسة قبيلته، انهم لا يهمهم الا اعزاز قبائلهم لا اعزاز أمتهم. ان عمرو بن كلثوم صاحب النونية الافتخارية الشهيرة كان يباهي القبائل الأخرى ويتحداها بقبيلته، فهو حين يقول مثلا:
إذا بلغ الفطام لنا صبي * تخر له الجبابر ساجدينا أو يقول:
ملأنا البر حتى ضاق عنا * وظهر البحر نملؤه سفينا