الخط النسخي مضارعا لعبد المجيد درويش، وهما اللذان رسخا دعائم الخط المكسر.
لم نعرف تاريخ وفاته، لكن المسلم به أنه كان حيا بين السنوات 1172 و 1212، وقد احتلت آثاره طيلة هذه المدة مقاما جعلته من ذوي القدرة في فن الخط. وبناء على ما نقل من " دليل الخزانة القرآنية " أن مجلدين من القرآن بخط محمد هاشم لؤلئي محفوظان في مكتبة العتبة المقدسة الرضوية، نسخا في سنة 1184، و 1185 ه. ق.
تذكره: وإثر انقراض الدولة الصفوية سنة 1135 والحوادث المتتابعة والحروب والفتن التي انتشرت في أطراف دولة إيران وأرجائها جعلت الناس ينشغلون بأنفسهم، فكان ذلك سببا في انحطاط الفن، بما في ذلك فن الخط.
ومنذ بزغ فجر القرن الثالث عشر استعاد فن الخط مقامه تدريجيا، فازداد الاهتمام بالأقلام الستة، ولا سيما الخط النسخي، وازداد عدد الخطاطين بشكل ملحوظ، فظهرت آثار نفيسة من القرآن والأدعية والكتب والمرقعات والقطع والكتابات تحمد عمل أصحابها.
الخليل بن أحمد الفراهيدي مرت ترجمته في موضعها من (الأعيان)، وننشر هنا بحثا عن كتاب (الجمل في النحو) بقلم سعادة سوداح:
* يعود الدكتور فخر الدين قباوة في الطبعة الثانية من كتاب " الجمل في النحو " إلى تحقيق نسبة الكتاب إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي، بعدما كان في الطبعة الأولى، قبل عشر سنوات، تجنب الجزم في نسبته إلى أحد سواء الخليل بن أحمد أم أبو بكر بن شقير. وختم مقدمة تلك الطبعة الأولى بالقول:
" ما زال توثيق النص، أي تصحيح نسبة، في حاجة إلى نظر وتحرير، وما فتئت عدة ثغرات وعبارات تتحمل طابع الأشكال، وينقصه التصويب والتحقيق. وها أنذا أضع ذلك بين أيدي المحققين وعلماء العربية، آملا أن يشاركوا في تذليل العقبات، وإقالة العثرات، وتقويم ما ظهر من الخطل في الاختبار والاجتهاد. فلعل ما لديهم من المصادر المخطوطة والمطبوعة، وما يحيطون به من خبرة وعلم وإطلاع، يقدمان لي عونا على ما أخفقت فيه، أو أعرضت عنه، أو نؤت به، أو تهيبته فتجاوزته، أو تحرجت منه وأشفقت أن أحمل تبعته ".
غير أن من تناولوا مسألة توثيق كتاب " الجمل في النحو " بعد صدور طبعته الأولى، أغفلوا التحفظ الذي أورده الدكتور قباوة حول نسبة الكتاب، وانصب همهم على نقض نسبة الكتاب إلى الفراهيدي، وإثبات نسبته إلى ابن شقير. وساقوا لذلك أدلة تتلخص بالآتي:
- نص ابن مسعر المعري في كتابه " تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين " على نسبة الكتاب إلى ابن شقير، بقوله: " له كتاب لقبه " الجمل ".
وربما نسب هذا الكتاب إلى الخليل. وهو من عمله، يقول فيه: النصب على أربعين وجها، والرفع على كذا.
- إشارة المؤلف في خطبة الكتاب الموجود بين أيدينا على أن لهما كتابا مختصرا في النحو، في قوله: "... فمن عرف هذه الوجوه، بعد نظره فيما صنفناه من مختصر النحو قبل هذا، استغنى عن كثير من كتب النحو ". ومن الثابت أن لابن شقير كتابا اسمه " المختصر في النحو ".
- اشتمال " الجمل " على مصطلحات وأقوال وأسماء وأحكام لا يصح إسنادها إلى الخليل، لتأخرها عن وفاته، أو شهرتها الكوفية أو خلافها ما عرف عنه في المصادر المتداولة. أما ابن شقير فقد عرف بتلفيقه بين المذهبين البصري والكوفي:
ويعتبر المذكورة قباوة في مقدمته للطبعة الثانية هذه من الكتاب أن " هذه الأدلة وإن كان ظاهرها الصحة والسلامة، لا تخلو من الحاجة إلى النظر والاختبار ". وتفحص هذه الأدلة والرد عليها هو ما يكرس المحقق مقدمته له، فيرى أن ابن مسعر هو الوحيد الذي انفرد بنسبة الكتاب إلى ابن شقير، وقد نقل عنه بعض من جاءوا بعده إشارته هذه دون أن يثبتوا نسبة الكتاب إلى ابن شقير. بل إن ياقوت الحموي في (معجم الأدباء)، وجلال الدين السيوطي في (بغية الوعاة) يجعلان كتاب الجمل من ضمن مصنفات الخليل.
بل إن الصفوي يتطرق في (الوافي) إلى إشارة ابن مسعر فيشكك فيها ويثبت نسبة الكتاب إلى الفراهيدي بقوله: " ويقال: إن الجمل الذي للخليل هو لابن شقير ".
ويذهب الدكتور قباوة إلى أن ابن مسعر " لم يكن محققا عندما نسب كتاب " الجمل " إلى ابن شقير، بل أزعم أبعد من هذا، فأقول: إنه نقل هذه النسبة عن غيره، ولم يطلع هو على الكتاب بنفسه. والدليل أنه حين ادعى تلك النسبة ذكر أن مؤلفه " يقول: النصب على أربعين وجها، والرفع على كذا ". والنصب فيما بين أيدينا واحد وخمسون وجها أو ثمانية وأربعون، والرفع واحد وعشرون وجها. فوهمه في عدد وجوه النصب، وكنايته لعدد وجوه الرفع، يثبتان أنه لم يكن بين يديه نسخة من " الجمل " حين تحدث عنه، وإنما سجل ما كان قد سمع أو قرأ من قبل. على غير تثبت أو تحقيق ".
ويرى المحقق أن ليس ثمة ما ينفي أن للخليل بن أحمد مختصرا نحويا، رافضا في هذا السياق القول بأن الفراهيدي لم يضع مؤلفات في النحو. وهو القول الذي أورده السيوطي في " المزهر " نقلا عن أبي بكر الزبيدي الذي قال عن الخليل " أنه لم يؤلف في النحو صرفا، ولم يرسم فيه رسما، نزاهة بنفسه وترفعا بقدره، إذ كان قد تقدم إلى القول عليه والتأليف فيه... "، فالسيوطي نفسه ينص في كتابه " بغية الوعاة " على أن للخليل كتاب في النحو، وذلك في معرض إنكاره علي الرماني محاولته المزج بين النحو والمنطق، بقوله: " ومتى عهد الناس أن النحو يمزج بالمنطق؟ وهذه مؤلفات الخليل وسيبويه ومعاصريهما، ومن بعدهما بدهر، لم يعهد فيها شئ من ذلك ".
أما اشتمال " الجمل " على مصطلحات وأحكام لا يصلح إسنادها إلى الخليل، فيرى الدكتور قباوة أن أصحابه اعتمدوا " شأن جمهور معاصرينا من الدارسين، على المقولات الشائعة في تقسيم المصطلحات تقسيما حادا بين البصريين والكوفيين، وتوزيع الأحكام النحوية على العلماء توزيعا جازما، حتى كأن ما نسب إلى أحدهم قد انفرد به واختص، فلا ينازعه فيه أحد ولا يشارك ". ويناقش هذا الأمر، فيقول: " فالواقع في تاريخ العلوم أن الاصطلاح، في مرحلتي النشوء والتأسيس، يكون رجراجا متقلبا تتداوله الألسن، دون نضج واستقرار واختصاص بمكان أو إنسان. وبعد مرور تينك المرحلتين تتوزع المصطلحات المختلفة، بشكل ما يناسب التوليد والاتجاه، ويختص كل منهما بمذهب أو منحى أو علم، مع احتمال التداخل والتبادل أيضا. ولا يكون التوضع الحاد الجازم إلا في مراحل متأخرة من تاريخ العلم نفسه ".
إلى ذلك كان المحقق اعتمد في طبعته الأولى على ثلاث نسخ خطيئة تثبت كلها نسبة الكتاب إلى الفراهيدي، غير أن في الورقة الأولى من إحداها ما يلي: " كتاب وجوه النصب. ألفه خليل بن أحمد البصري. وقيل: هو تصنيف أبي بكر عبد الله بن شقير، صاحب أبي العباس المبرد ". وحصل المحقق، بعد صدور الطبعة الأولى من الكتاب الذي عرف بأسماء كثيرة، على نسختين