مؤيد الدين أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن برز المقدادي القمي الوزير ذكر مؤلف الحوادث نقله من مدفنه إلى مشهد الكاظمية سنة " 643 " قال في حوادث هذه السنة: " وفي ليلة الجمعة حادي عشري رمضان نقل مؤيد الدين أبو الحسن محمد بن عبد الكريم بن برز القمي الوزير من مدفنه بمقبرة الزرادين (1) بالمأمونية إلى تربة كان أنشأها بالمشهد الكاظمي ووقف عليها وقوفا وذلك بعد ثلاث عشرة سنة وأحد عشر شهرا ".
قال الدكتور مصطفى جواد: ذكر المؤرخ نفسه خبر القبض على مؤيد الدين القمي في حوادث سنة 629 من كتابه هذا ومعنى ذلك الخبر الأول أنه توفي في سنة القبض عليه ويؤيده ابن الطقطقي في تاريخه، وقد ذكره ابن الطقطقي قال: " وزارة مؤيد الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم بن برز القمي، هو قمي الأصل والمولد، بغدادي المنشأ والوفاة ينتسب إلى المقداد بن الأسود الكندي، كان - رحمه الله - بصيرا بأمور الملك خبيرا بأدوات الرئاسة، عالما بالقوانين، عارفا باصطلاح الدواوين، خبيرا بالحساب، ريان من فنون الأدب، حافظا لمحاسن الأشعار، راويا لطرائف الأخبار، وكان جلدا على ممارسة الأمور الديوانية، ملازما لها من الغدوة إلى العشية. وكان في ابتداء أمره قد تعلق بسلاطين العجم وكان يلوذ ببعض وزراء العجم بأصفهان في حال صباه ولم يبلغ العشرين من عمره، وكان ذلك الوزير قد ضجر من الكتاب الذين بين يديه ونسبهم إلى أنهم يخالفون تقدماته فأبعدهم عنه واستكتب القمي ظنا منه أنه لمجرد حداثة سنة لا يقدم على مخالفة ما يشير به. فمكث القمي يكتب بين يديه مدة، ففي بعض الأيام أحضرت بين يدي الوزير جملة من الثياب النسيج بعضها صحيح وبعضها مقطوع، فاحضر القمي بين يديه، ليثبت عددها ويحملها إلى الخزانة وكان الوزير يورد عليه كذا وكذا ثوبا صحاحا. فيكتب القمي كذا وكذا ثوبا وما يكتب لفظة (صحاحا) فقال له الوزير: لم لا تكتب ما أقول لك؟ فقال: يا مولانا لا حاجة إلى ذكر الصحاح فإني إذا وصلت إلى ذكر ثوب مقطوع ذكرت تحته أنه مقطوع، فتخصيص المقطوع بالذكر يدل على أن ما لم يوصف بالقطع صحيح. فقال الوزير، لا بل أكتب كما أقول.
فراجعه القمي، فحرد الوزير لذلك وارتفع صوته والتفت إلى الحاضرين وقال: أنا عزلت الكتاب الكبار الذين كانوا عندي لأجل مخالفتهم ولجاجهم فيما أقوله واستكتبت هذا الصبي ظنا مني أنه لحداثة سنه لا يكون عنده من التجرؤ والمخالفة ما عندهم، فإذا هو أشد مخالفة من أولئك. فخرج بعض خدم السلطان من بين يديه وكان جالسا قريبا من مجلس الوزير، وسال عن كثرة الصياح وحرد الوزير، فعرف الخادم صورة ما جرى بين الوزير والقمي، فدخل وحكى للسلطان ما قيل، فقال له: أخرج وقل للوزير: الحق ما اعتهده الصبي الكاتب. فنبل القمي في عيون الناس وعلت منزلته وأنس القمي بهذا الخادم وصار الخادم يستشيره ويسكن إليه ويأنس به. فاتفق أن السلطان عين على هذا الخادم وعلى رجل آخر ليتوجها في رسالة إلى ديوان الخليفة، فالتمس الخادم أن يكون القمي صحبته. فأرسل صحبته فتوجهوا إلى بغداد وحضر الخادم ورفيقه عند الوزير ابن القصاب، فشافهاه بالرسالة وسمعا الجواب، وكان جوابا غير مطابق للرسالة ولكنه كان نوعا من المغالطة، فقنع الخادم ورفيقه بذلك الجواب وما تنبها على فساده وخرجا، فرجع القمي ووقف بين يدي الوزير وحادثه سرا وقال له: يا مولانا الجواب غير مطابق لما أنهاه المماليك. فقال له الوزير: صدقت ولكن دعهم على غباوتهم ولا تفطنهم إلى ذلك. فقال السمع والطاعة. ثم إن ابن القصاب كتب إلى الخليفة (الناصر لدين الله) يقول له: إنه قد وصل صحبته خادم السلطان فلان شاب قمي قد جرى من تنبهه كيت وكيت ومثل هذا يجب أن يصطنع ويحسن إليه ويستخدم. فكتب الخليفة إليه يأمره بان لا يمكنه من التوجه معهم. فعمل له حجة وقطع عنهم فتوجهوا وأقام القمي ببغداد فعين عليه في كتابة الانشاء، فمكث على ذلك مدة ثم تولى الوزارة وتمكن في الدولة تمكنا لم يتمكن مثله أحد من أمثاله، وكان أوحد زمانه في كل شئ حسن، كثير البر والخير والصدقات. حدث عنه مملوكه بدر الدين أياز قال: طلبت ليلة من الليالي حلاوة النبات فعمل منها في الحال صحون كثيرة وأحضرت بين يديه في ذلك الليل، فقال لي: يا أياز تقدر تدخر هذه الحلاوة لي موفرة إلى القيامة؟
فقلت: يا مولانا وكيف يكون ذلك وهل يمكن هذا؟! قال: تمضي هذه الساعة إلى مشهد موسى والجواد - (عليهم السلام) - وتضع هذه الأصحن قدام أيتام العلويين فإنها تدخر لي موفرة إلى يوم القيامة. قال أياز. فقلت: السمع والطاعة. ومضيت، وكان نصف الليل إلى المشهد وفتحت الأبواب وأنبهت الصبيان الأيتام ووضعت الأصحن بين يديهم (كذا) ورجعت. وما زال القمي على سداد من أمره، تولى الوزارة للناصر ثم للظاهر ثم للمستنصر حتى قبض عليه المستنصر وحبسه في باطن دار الخلافة مدة فمرض وأخرج مريضا فمات - رح - سنة تسع وعشرين وستمائة ".
وقال مؤلف الحوادث في أخبار سنة 629: " ذكر عزل الوزير مؤيد الدين القمي... في يوم السبت سابع عشر شوال تقدم إلى مؤيد الدين أبي طالب محمد بن أحمد بن العلقمي مشرف دار التشريفات يومئذ أن يحضر عند أستاذ الدار شمس الدين أبي الأزهر أحمد بن الناقد ويتفقا على القبض على نائب الوزارة مؤيد الدين القمي. فجمع أستاذ الدار رجال النوبتين وأمرهم بالمبيت في دار الخلافة، ولم يشعر أحدا منهم بشئ، فلما أغلق بابا النوبي و العامة عين على جماعة مع ابن شجاع مقدم باب الأتراك بالقبض على القمي إذا فتح باب النوبي، وعين على جماعة مع حسن بن صالح المعمار للقبض على ولده (فخر الدين أبي الفضل أحمد) في الساعة المعينة، وعين على جماعة للقبض على أخيه وجميع أصحابه وخواصه، فلما فتح باب النوبي خرج الجميع بالسيوف وهجموا عليه وعلى ولده وأخيه وجميع أصحابه في ساعة واحدة فلم يفلت منهم صغير وكبير فأما هو وولده فنقلا ليلا إلى باطن دار الخلافة فحبسا هناك وأما أخوه ومماليكه وأصحابه فحملوا إلى الديوان.
وكان المؤرخ نفسه قال في حوادث سنة 628: " وفي صفر دخل بعض الأتراك إلى دار الوزير مؤيد الدين القمي وطلب غفلة الستري وانتهى إلى مجلسه فلم يصادفه جالسا وكان بيده سيف مشهور وكان آخر النهار، وقد تقوض