ركبت مع صحبي متون البحار * من بعد ما صلى أبي (واستخار) نزحت عن داري غيرها * وبعت (كرم التين) داني الثمار فيا خيام التين هل رجعة * إليك يوما بعد شط المزار حيث الصبايا من بعيد المدى * يحملن للظمآن فيك الجرار يا خيمة (المسطاح) في التين * سلام من وراء البحار وبعد عودته من المهجر تعاطى بعض الأعمال الصحفية في بيروت ودمشق.
ونشر بعض الدراسات.
كان أهمها سلسلة مقالات عن ابنة بلدته الأديبة زينب فواز وسلسلة مقالات أخرى عن عرب (موريتانيا) وأدبهم وشعرهم بعد أن غرفهم عن كثب أيام اقامته في السنغال.
وقد أصدر ديوانا شعريا باسم (الانسام) قال عنه الناقد مارون عبود:
" أقول لصاحب ديوان الأنسام ان اسم ديوان الأنسام يلائم المسمى، أما العنوان الصغير (شعر مهجري) فلا يصح إلا من حيث الحنين إلى الوطن فما رأيت حنينا صادرا من أعمق الأعماق كحنين مقلد، ولعل الشاعر قاصا أروع منه شاعرا فقد رأيته أجمل ما يكون حين يقص ".
من شعره قال يصف رقصة " الدبكة " العاملية:
" مجوز " ينشد الحنان إلى النفس * و " شبابة " تهز المشاعر حلقات تدور محورها " الدقاق " * كدور الرحى وفن ساحر وحماس يهيب في أنفس الحشد * ويذكي الغرام في كل ثائر بين جذب إلى الوراء ودفع * شائق تبلغ القلوب الحناجر بشر القرية الوديعة بالعرس * فان الأعراس خير البشائر وافرش الدرب للصبايا ورودا * فالصبايا روح الشباب الناضر ونسيم الصبا وعرف الخزامى * هن والشعر في ضمير الشاعر كم تراهن آيبات عن (العين) * كسرب من الحمام الطائر سابلات الشعور مثل الأفاعي * عاقدات على الجرار الخناصر تلك في صدرها ترجرج نهدين * وذي خلفها تدلي الضفائر عمر " الدبكة " الرشيقة وانظر * فالحواشي لكل غاو " شاطر " لهي الأنس مذ تنادوا إليها * لم يحل للرقاد طرف ساهر وقال وهو في مهجره يحن إلى بلاده:
يا نسمة الصبح أطوي البعد وانطلقي * إلى بلادي وطوفي في روابيها خفي إليها بتهيامي مبكرة * قبل الشروق وحيي سفح واديها هيا فهذا جناحي يستحر جوى * طيري به ثم رفي في مغانيها طيري فعندي لها في كل جارحة * حب يصورها شعرا ويحليها ويستعيد إلى ذهني مباهجها * حلما لذيذا كاني في لياليها فان توغلت في جناتها فهبي * روحي إذا أبت عطرا من أقاحيها وإن عطفت على أنغام أنهرها * فأسمعيني نشيدا من شواطيها وان نزلت خيام التين فاصطحبي * قلبي الذي قد عصاني باقيا فيها وقال بعد تغربه في السنغال:
ابعد البين هل لي أن اؤوبا * وانظر فيك يا وطني الحبيبا بلادي جنة الدنيا واني * أحب لأجلها الريح (الجنوبا) الأهل نسمة منها لقلبي * تكون إذا دعا الداعي طبيبا لئن كنا هجرناها فأنا * تركنا في مرابعها القلوبا تركنا النهر يجري سلسبيلا * تركنا الروض والغصن الرطيبا تركنا غيضة الوادي تركنا * ربيعا في روابيها خصيبا وعينا مثل عين الديك صفوا * تعانق جدولا جذلا طروبا تصف على حوافيها الصبايا * جرارا ما شكت يوما نضوبا وقال يصف حياته في السنغال:
أتهديني على الرأي الوجيه * لأنجو فيه من سود الوجوه رأيت العيش في (السنغال) ضربا * من الكدح الذي لا خير فيه إذا سلمت حياتك من بلاء * فلست بسالم مما يليه يسبك لست تمتلك اعتراضا * ترد به على القذف السفيه يؤم كمن يريد شراء شئ * وما هو في الحقيقة مشتريه ولكن نية ظهرت وأخفت * وراء القصد أمرا يبتغيه وهبك شكوت أمرك للفرنسي * لينصف، يزدريك ويزدريه أيا وطن العبيد! فقدت فيك الهنا * والأنس والهزل البديهي نأى عن أرضك اللطفاء طرا * كأنك عندهم صحراء تيه ألا نفي يعجل في رحيلي * ويرجع بالغريب إلى ذويه فلي وطن وإن هو لم يصني * بروحي لو دعاني أفتديه وقال عندما ركب الباخرة من بيروت متجهة به إلى مهجره سنة 1937:
تشق عباب اليم واليم زاخر * وتدفع عنها الموج والموج لاطم هموم بقلبي هون الله جمة * أبيت أعانيها وثغري باسم فما راعني يوم النوى غير موقف على (البور) إذ كانت تلوح (المحارم) ولو قدر لسلسلة مقالاته عن موريتانيا وعن زينب فواز أن تجمع في كتابين مستقلين لكانا من الكتب الجيدة.
على أنه أساء في أواخر حياته لأدبه ولنفسه بان سخرها لبعض تافهي السياسة.
أبو منصور محمد بن المبارك الكرخي قال الشيخ محمد رضا الشبيبي في الجزء الثاني من كتابه (ابن الفوطي):
جرت العادة من قديم الزمان أن تقرأ قصة مقتل الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين يوم عاشوراء في جملة من محافل بغداد وغير بغداد من حواضر العراق، وذلك في أواخر عصور بني العباس أو قبل ذلك قليلا، وعرفت وشاعت قراءة هذه القصة في دمشق إذ كان خطباء الدماشقة يقراونها في جمعة المحرم وينعون الإمام الشهيد على منابر الشام، والدليل على ذلك أن ابن تيمية أنكره على خطباء جوامع الشام في كتابه (منهاج السنة)، وعرفت قراءة المقتل في القاهرة منذ عصور الفاطميين، وفي العراق بعد غلبة البويهيين، كانوا يقرأونها في المحافل والمشاهد وفي المنازل على ما هي عليه الآن.
لم تخل العصور المذكورة من طبقة (المنشدين) و (القراء) و (الذاكرين) وهم قوم انقطعوا لهذا العمل أي للقراءة والإنشاد في مواسم معينة من السنة وخصوصا المحرم، والأمثلة غير قليلة في تاريخ المائتين السادسة والسابعة على ذلك، وقد ورد ذكر بعض هؤلاء القراء والمنشدين في تاريخ ابن الساعي. ومنهم