السياسية في البلد وأنا لم أكن في المسؤولية لم أكن في الحكم كسياسي مستقل ومع أني لم أكن في الحكم ولا تترتب أية مسؤولية على آرائي فقد خصني الرئيس جمال في هجوم خاص في خطابه بدمشق في شباط الماضي فنعتني بعميل الاستعمار وقال إن الاستعمار يمولني ويمول جريدتي.
أن شخصا له من الخدمات في الحقل مثلي ليتحدى أي إنسان. هل إني خدمت غير أمتي؟ أو أني تقاضيت فلسا واحدا من أية جهة وطنية كانت أم أجنبية غير راتبي ومخصصاتي؟ والكل يعلم أنني رجل لا أملك ثروة ولا أملاك ولا أراضي حافظت على نزاهتي طول حياتي وهذا أعز شئ لدي. ولكن العتب ليس على الرئيس جمال فليس المفروض بالرئيس أن يكون ملما بدخائل الأشخاص بل العتب على مستشاريه الذين كان الإخلاص يدعوهم أن يعرفوا الأشخاص جيدا قبل أن يزجوا أسماءهم في خطب الرئيس ولكن المهم يا سادتي ليس شخصي. المهم أن الإذاعة المصرية وصوت العرب خاصة أخذت شكلا استفزازيا يدعو الشعب العراقي إلى الثورة ويدعو الجيش والشرطة إلى العصيان وينعت كل نائب في البرلمان الأخير بأنه إما خائن أو جاسوس أو عميل إلى شركة النفط. الأمر الذي لم يسبق له مثيل في العلاقات الدولية لا سيما بين الشقيقات ولما قدمت الحكومة العراقية احتجاجا بذلك إلى وزارة الخارجية في القاهرة رفضت استلام الاحتجاج الأمر الذي جعل الحكومة العراقية تفكر في تقديم شكوى في مجلس الأمن. ولما كان لبنان قد قبلت شكوه اكتفينا على أن تقبل شكوانا ضمنا. هذا كل ما حدث وليس في خطابي في مجلس الأمن الذي أصف فيه سياسة الرئيس جمال عبد الناصر كما طبقت في العراق أي مس بشخصه أو تجريح بشخصه لأني أحترمه وأجله ولم تحدث الأوضاع أي تغيير في احترامي لشخص الرئيس جمال أو إعجابي بشخصه كزعيم عربي مخلص لشعبه وأؤكد للمحكمة المحترمة بأن الأمور مهما بلغت من التوتر بين مصر والعراق فإني أكون دوما أقوى من يدافع عنه وعن مصر إذا هاجمه أجنبي. هذه صفة عربية معروفة أحملها ثم يا سادتي شرعت الأمم المتحدة قواعد ثابتة معروفة لا يجوز لأي خطيب أن يمس شخصية أي إنسان إذا مسها فالرئيس يوقفه.
وقد أوقفت مرارا حين مناقشاتي مع اليهود والصهيونية ومع فرنسا أوقفني الرئيس. وإذا لم يوقف الرئيس وتهاون فواجب مندوب تلك الدولة التي يهان شخصها أن يلفت أنظار الرئيس. إن شيئا من هذا لم يحدث من وراء خطابي في مجلس الأمن الذي يستدل منه بأنه لم يكن خطابا شخصيا موجها لشخص إنما كان خطابا يناقش سياسة ومع أن اتصالي ليس فيه أي مس بشخصية الرئيس فإني أثبت بأن للرئيس جمال شخصيتين فهو رئيس دولة ورئيس حكومة في الوقت نفسه. ففي نظام الرئاسة المتبع في مصر وفي الولايات المتحدة الأمريكية رئيسة الدولة هو في الوقت نفسه رئيس حكومة أي بمثابة رئيس وزراء. وإذا نوقشت سياسته أو انتقدت فإنما تناقش وتنتقد بوصفه رئيس حكومة وليس بوصفه رئيس دولة ولذلك فلا ينطبق تعبير رئيس دولة الوارد في المادة الأولى الرقم 7 على ما ورد في خطابي فإنه موجه لسيادته بوصفه رئيس حكومة وواضع سياسة وهو بهذه الصفة يجتمع مع السيد خروشيف.
وعلى هذا الأساس نفسه تنتقد سياسة الرئيس أيزنهاور ومبدأ أيزنهاور فإن الرئيس أيزنهاور بوصفه رئيس حكومة يجتمع مع رؤساء الوزارات بالإضافة إلى كونه رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية يجتمع بالملوك.
في الحقيقة أن ما حصل بين مصر والعراق في السنوات الأربع الماضية يشكل مأساة قومية ليس العراق هو المسؤول عنها بالدرجة الأولى.
ويعلم الله أني حاولت في ظروف مختلفة وبطرق مختلفة تصفية الجو ولكن الجهات المسؤولة لم تكن مستعدة وكانت تأخذها العزة (في العراقيين عندنا وعندهم) فلا تتساهل ولا تلين.
في نهاية مناقشتي مع الدكتور عمر لطفي مندوب العربية المتحدة في مجلس الأمن قلت له نحن إخوانكم نريد لكم الخير ولم نسئ إليكم وكل ما نرجوه هو أن تكفوا دعايتكم عنا، هذا كل ما نريده منكم. وأخيرا أؤكد للمحكمة المحترمة بأني لا أجد نفسي مقصرا قط في هذه المعركة المؤلمة التي لم يكن لي دور فيها سوى دور الدفاع عن النفس بالنسبة للعراق والدفاع عن النفس حق شرعي تعترف به الشرائع السماوية والأرضية. فإذا ما حللت وانتقدت سياسة الرئيس جمال عبد الناصر بوصفه رئيس حكومة لا رئيس دولة فإنما فعلت ذلك دفاعا عن العراق دفاع أخ إزاء أخ ولاني كنت أتمنى أن يساعد المحيط الدولي على تصفية الجو بعد أن عجزت المحاولات الثنائية. ولم أقصد قط التعرض أو مس شخص الرئيس جمال عبد الناصر الذي أجله وأحترمه.
إن دفاعي عن لبنان في مجلس الأمن كان يمثل سياسة عراقية مستقرة فالعراق كان ولا يزال يريد للبنان الشقيق الطمأنينة والاستقرار ولا سيما وأنه يتكون من فسيفساء بشرية جميلة في شتى المذاهب والأديان كما أنه يكون مركزا عصبيا حساسا للأقطار العربية وذلك لأنه مركز التقاء أبناء الشعوب العربية المختلفة.
ولبنان في سياسته الخارجية كان دوما متعاونا مع العراق في منظمة الأمم المتحدة، كما أنه في سياسته العربية يمثل الحياد بين الدول العربية كافة. ولما قامت دعاية الجمهورية العربية المتحدة أريد إخراج لبنان من حياده العربي وجعله ينحاز إلى سياسة الحياد الإيجابي، ولما صارت حكومة لبنان تهاجم في الوقت الذي تهاجم فيه الحكومة العراقية من قبل دعاية الجمهورية العربية المتحدة جمعت المصيبة الحكومتين. ثم إن معلومات مستمرة كان تصل الحكومة العراقية عن طريق الممثليات والملحق العسكري تخبر عن تسلل الثوار من سوريا إلى لبنان بصورة مساعدات وذلك قبل بداية الحركات في لبنان وبعدها. ذلك عدى التدخل عن طريق الدعاية لا سيما الإذاعة وسياسة الزعماء المعارضين للرئيس جمال وتبادل الرأي معه. كل ذلك مما جعل العراق يدافع عن حكومة لبنان إذ كان ذلك بمثابة الدفاع عن النفس. وكلما طلبه الوفد العراقي في مجلس الأمن هو إيقاف التدخل في لبنان وإيقاف الإذاعة والدعاية التي كانت بمثابة المروحة فوق النار. هذا وأن موقفي في مجلس الأمن كان بمثابة شكوى عراقية على الجمهورية العربية وذلك للهجمات القاسية التي كانت تبثها الدعاية ضد رجال العراق إذ أن موقفي في مجلس الأمن كان منسجما مع سياسة الحكومة العراقية وشعورها وقت عرض شكوى لبنان. ولم يكن فيه أي تعرض كما قلت لشخص الرئيس جمال عبد الناصر كرئيس دولة مطلقا.
لقد قيل إني عرضت العراق لخطر الحرب بسبب مهاجمة المعسكر الشرقي والسير مع المعسكر الغربي. ردا على ذلك إني أهاجم المعسكر الشرقي ولا أحمل للمعسكر الشرقي أي عداء، بل إني أهاجم الشيوعية الدولية كمبدأ وكسياسة ومن حقي أن أدافع عن نفسي ضدها. فليس الوقوف في وجه تيار الشيوعية الدولية معناه معاداة المعسكر الشرقي وليس اتخاذ التدابير الدفاعية ضد انتشار الشيوعية معناه عداء للمعسكر الشرقي. ولا يعني ذلك أنني أود أن أنجرف في العلاقات مع الشرق إلى درجة تطغى الدعاية الشيوعية على بلادي وتقتحمها قبل أن نستطيع حمايتها إذ لو كنا بلدا راقيا قويا لما خشيت الدعاية الشيوعية قط. أما دفاعي عن تدابيرنا الدفاعية مع الغرب فهي بدورها ليست لتقريب العراق من الحرب بل بالعكس لإبعاد العراق عن الحرب وعن العالم.