" إدريس الأصغر " كما يقال لكل منهما " صاحب البربر " لأن جل من استجاب لدعوتهما وشد أزرهما من قبائل البربر - وكان ذلك في عصر هارون الرشيد - وإدريس الأكبر أو الأول ثاني اثنين من أولاد عبد الله بن الحسن المثنى أفلت من وقعه " فخ " المشهورة، أما أخوه وهو يحيى بن عبد الله الذي أفلت معه من هذه الواقعة فيقال له " صاحب الديلم " خروجه على الرشيد في بلاد الديالمة وإن خاب يحيى في حركته بخلاف أخيه إدريس وأبنائه الذين حالفهم التوفيق في تكوين الدولة الإدريسية.
خيبة صاحب الديلم تيسر للرشيد احباط حركة يحيى لوقوعها في إقليم غير بعيد عن العراق، وشتان بين البلاد التي ظهر فيها إدريس - وهي مراكش - وبين بلاد الديلم من هذه الناحية، لذلك لم يستطيع أن ينشأ ملكا أو دولة كالتي أنشأها الأدارسة.
كان ساعد الرشيد في احباط حركة صاحب الديلم الناجمة في المشرق وزيره أبو الفضل بن يحيى، وهو وزير عرف بحنكته وكياسته واجتنابه سفك الدماء وميله إلى حل المعضلات سليما، فلما ندب الرشيد وزيره المذكور إلى قتال هذا العلوي الثائر استماله وأقنعه بالتسليم بشروط، منها أخذ الأمان له بخط الرشيد في حادثة مشهورة يظهر منها أن يحيى عاش في عاصمة الرشيد بعد تسليمه عيشة أمرائها المرفهين مدة ثم مات مسموما، وفي رواية ابن الأثير حبسه فمات في الحبس بعد أن أفتاه بعض فقهائه بان أمانه منقوض، هذا وليحيى بعد ذلك ضلع في التاريخ والعلم بالأنساب والأيام، ومناظراته مع بعض خصومه في مجلس الرشيد تدل على ذلك.
ولصاحب الديلم حديث مع الإمام موسى بن جعفر في الموقف الذي يجب أن يقفه العلويون من الدولة العباسية في هذا العصر، وقد تبودلت بينهما رسائل طريفة وهذه الرسائل صريحة جدا في الخلاف الناشب بين هذين البطنين من العلويين في هذا الباب، وقد نهاه فيها الإمام موسى بن جعفر عن الخروج على هارون الرشيد وأوصاه بالإخلاد إلى السكينة، ويقول أحد شراح أصول الكافي: يكثر الزيدية من الثناء على يحيى ويروون أنه فيمن أوصى إليه جعفر بن محمد بعد ابنه موسى الكاظم، وليحيى ذكر في بعض معاجم الرجال وأصحاب الحديث.
ورثة الحضارة الأندلسية بدأت دعوة الأدارسة في مراكش أو المغرب الأقصى سنة 170، وفي قول بعد ذلك بقليل، وجل أنصارها من البربر الذين استجابوا لدعوة إدريس الأكبر ثم بايع البربر ابنه إدريس الأصغر، وهو أول من بويع بالخلافة من بني إدريس بيعة عامة في البلاد المذكورة، وقد خلفه من خلفه من أبناء إدريس الأكبر وأحفاده، والخلاصة:
عبثا حاول الرشيد وأد هذه الحركة الإدريسية بدس السم لإدريس الأكبر فان أولاده خلفوا أباهم في تلك البلاد فعاشت هذه الدولة رغم إرادة بني العباس، ويقول ابن بسام - (542) - في معرض ذكره لبني الحسن وأسباب خروجهم إلى المغرب ما هذا نصه - " بلغني أن عقبهم إلى اليوم هنالك ".
وإمارة الأدارسة المعروفة أخيرا في عسير شرقي اليمن أنشأها بعض ذراري الأدارسة المعروفين في البلاد المغربية وكانت بين بني الحسن في المغرب وبني الحسن في المشرق - وهم أئمة الزيدية في اليمن - مراسلات.
مقارنة بين الدولتين الفاطمية والإدريسية عاشت دولة الأدارسة مدة تناهز مائة وثمانين سنة، وقد ناوءت الدولة الفاطمية الإسماعيلية هؤلاء الأدارسة في أواخر أيامهم واستولى القائد جوهر على عاصمتهم فاس سنة 347، وكان الفاطميون أنبه ذكرا وأبعد مغادا حتى أن دولة الأدارسة التي استولت على المغرب كانت خاملة الذكر بالنسبة إليهم، ومرد ذلك إلى انزواء الأدارسة في المغرب الأقصى واقتصارهم على الدفاع عن أنفسهم ومملكتهم وخوفهم من بني العباس بخلاف دولة الفاطميين التي غزت المشرق وهددت بني العباس في عقر دارهم وأزالت دولتهم من مصر والشام، إلى غير ذلك مما لم يحلم به الأدارسة، ومع ذلك لا ينكر فضل هؤلاء الأدارسة على المغرب الأقصى أو مراكش، ففي عهدهم قطعت هذه البلاد شوطا بعيدا في مراحل الحضارة، ومن مظاهرها تأسيس المدن الكبيرة.
لا شك أن المدن الكبرى في المغرب الأقصى - وفي مقدمتها " فاس " وهي مدينة الأدارسة، " ومكناس " و " سلا " و " تطوان " وغيرها من آثارهم أو ملحقات مملكتهم - تعد وارثة الحضارة الاسلامية في الأندلس، وأهلها - أعنى أهل هذه المدن المغربية - يمثلون مسلمي الأندلس في عاداتهم وأطوارهم وثقافتهم، وتعد مدينة فاس معقل الثقافة الإسلامية في المغرب وبها جامع القرويين المشهور يؤمه طلاب العلم من سائر انحاء البلاد.
عارف الحر ولد في جباع جبل عامل سنة 1910 م وتوفي فيها سنة 1971 م درس دراسته الأولى في جباع ثم انتسب في بيروت إلى مدرسة الشيخ أحمد عباس، ثم اشترك في دورة لتدريب المعلمين تخرج منها سنة 1930 فعين معلما فتنقل في وظيفته في عدة قرى إلى أن استقر سنة 1960 في صيدا. وساهم مع فريق من أدباء جبل عامل في انشاء (الرابطة الأدبية العاملية).
ومن شعره قوله:
هذي فلسطين قد عاث اللئام بها * وجرعوها من الارزاء ألوانا لا متع الله طرفا بالرقاد إذا * لم يكحل الفوز بالآمال أجفانا ولا تمتع قلب بالحياة إذا * لم يقطف النصر يوم الثأر ريانا وقوله في ثوار المغرب العربي:
دم في السفوح دم في الربى * تبارك عطرا وما أطيبا وما ذاك عن شهوة للدماء * تلون حلما لها مرعبا وليس انتشاء ولكنني * تنسمت في عطره يعربا تنسمت ريح الجلاد الأبي * ونار الكفاح ومن ألهبا دم لون الأفق من زهوه * وروى البطافما اخصبا فقل للعتاة وللغاصبين * دماء التحرر لن تنضبا وقوله في أحد حكام العرب:
يا حاكما بك يلعب الدولار * أضرمتها فعدت عليك النار رق بطبعك لا يرى حرية * لبلاده يحيا بها الأحرار فاملأ كؤوسك من نجيع شبابنا * واطرب فانات الورى مزمار وارقص على جثث الضحايا نشوة * فكان ناعية القبور هزار يا محرق الأوطان يرضي طبعه * نيرون قبلك أطربته النار وقال:
يا ذكي المسك في أنفاسه وشبيه الغصن في مياسه صورة الوجه أرتنا سورة * جمعت جمرته مع آسه غارت النجمات من سحر العيون * واطل السحر من بين الجفون