ملابس أمراء، وملابس صيد، ثم ملابس أوروبية الطراز، وكذلك رسم أغطية متعددة للرأس من عمامات وقبعات للرجال والنساء.
أما السحنة التي صورها فتمتاز بمسحة من الهدوء، وبعضها يعلوه وقار إلا أن أغلبها فيه ملامح الشباب المنصرفين إلى اللذة واللهو. وعلى العموم فكل شخصياته غضة حتى الكهل لم يستطع أن يحمله ما حملته السنون من آلام الكبر إلا في تعبيرات على وجهه ونادرا ما كان يحوط شخصياته بهالة تبرز مكانتها، كما كان متبعا في الأسلوب القديم.
والواقع أنه كان مولعا بسطوح الأشياء وخاصة سطح البشرة، إذ رسمها ناعمة تكاد تنبض بالحياة والدف ء، ولهذا نجد في تصويره لمحة جديدة تجعله مقربا إلى الذوق الحديث، ومن الصعب تمييز شخصياته: ألفتيان هي أم لفتيات (1)، ولا سيما أن أوضاعهم جميعا فيها أنوثة وليونة. ولا عجب في ذلك، فقد نقل عن الواقع بكل دقة وأمانة: فها هو ذا " توماس هربرت " أحد الرحالة الأوروبيين الذين زاروا بلاط الشاه عباس في سنة 1628 م يروي أنه شاهد فتيانا بالقصر يروحون ويغدون، وهم على جانب من الوسامة، يرتدون صديريات وعباءات مزخرفة بالقصب المذهب، وينتعلون أحذية جميلة منتقاة.
وقد راعى قواعد التشريح والمنظور، وكانت النسبة الجمالية محفوظة اللهم إلا تلك الأرجل المعيبة التي نكاد نلحظها في معظم إنتاجه. وأغلب ظننا أنه رسمها كذلك عن عمد، فان تلك الأرجل الرقيقة الصغيرة لها تقديرها الجمالي في خيال الفنان.
وهناك ميزة خاصة في صوره وهي أنه يمكننا أن ندرس منها أشكال الملابس وأنواعها المستعملة في ذلك العصر - على ما أسلفنا وكذلك أشكال الآنية، كما نلاحظ ان بعض صوره يعلوها مسحة من التهكم والسخرية منتحيا فيها ناحية " التصوير الهزلي ".
وقد خلف رضا مجموعة كبيرة من الصور المؤرخة التي بها توقيعه، وأغلبها مؤرخ في النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي. وبعض رسوم له غير مؤرخة وإن كان عليها توقيعه مثل: " رقم كمينه رضاي عباسي "، أو " رسمه العبد الفقير رضا عباسي ".. إلخ وهذه عبارات تدل على تواضعه الجم وخشوعه، وهو بخلاف أغلب من سبقوه من المصورين قد وقع على رسومه معتزا بفنه، ولم يكن يوقع باسمه فحسب، بل كان أحيانا يذكر الحال التي صور فيها، وهذه خواص جديدة ابتدعها رضا، واقتفى أثره فيها المصورون من بعده، فكانت معينا على تاريخ الصور ودراستها ومعرفة مصوريها، ولا شك أن أسلوب رضا بنوع خاص يميزه المتذوقون للفن الإسلامي حتى من غير توقيعه، بخلاف كثيرين غيره من المصورين. وهذا ما نلمسه في رسوم الفرسكو بقصور الشاه عباس التي أشرنا إليها، وفي رسوم أخرى.
وكان أسلوبه هو السائد في عصره، وأصبح تأثيره عظيما في الحياة الفنية في أصفهان، وأخذ يدرس عليه تلاميذ كثيرون ومريدون نسبت إليه وإليهم هذه المدرسة التي استمرت في إنتاجها حتى القرن الثامن عشر الميلادي، واستطاعت أن تنشر هذا الفن بين طبقات الشعب مما جعلهم يدركون معانيه، ويفهمون أصوله، ويتذوقون قيمه الجمالية.
ومن أشهر تلاميذه " معين "، فقد برز إنتاجه على أقرانه، وكان معجبا بأستاذه، ورقم له صورتين خلدت محياه: إحداهما في مجموعة Quaritch بلندن والأخرى في مجموعة Watson - Parish بباريس.
وبعد هذه المدرسة تدهور التصوير الإيراني الإسلامي، وبعد عن خواصه وتقاليده الأصلية لاقتفائه أثر التصوير في أوروبا كل الاقتفاء.
علي أكبر دهخدا (2) ولد في طهران حوالي سنة 1297 (1877 م). كان والده خان بابا خان من طبقة الملاكين المتوسطين في قزوين قد أتى قبل ولادته من قزوين إلى طهران واتخذها موطنا لاقامته. فلما بلغ علي أكبر دهخدا العاشرة من عمره توفي والده، وتابع دهخدا دراسته تحت أشراف والدته وتوجيهها.
وقد عهد إلى أحد علماء عصره وهو الشيخ غلام حسين بروجردي أن يقوم بتعليم دهخدا وتربيته، فقد كان له كتاب في مدرسة حاج شيخ هادي (بشارع حاج شيخ هادي اليوم في طهران)، وكان متفرغا لتعليم اللغة العربية والعلوم الدينية. فلما افتتحت المدرسة السياسية في طهران بعد ذلك، دخلها دهخدا طالبا وتابع دراسته فيها. وكان أستاذ الأدب الفارسي في تلك المدرسة محمد حسين فروغي يعهد أحيانا إلى دهخدا بان يعطي درس الأدب في الصف. وإذ كان دهخدا قريبا من منزل الشيخ هادي نجم آبادي، فقد أفاد من جواره، فكان على صغر سنه يحضر مجالسه باستمرار إلى جانب الشيوخ والكهول، وفي هذه الفترة شغل دهخدا بتعلم اللغة الفرنسية. فلما عين معاون الدولة غفاري بعد ذلك وزيرا لإيران في البلقان أخذ دهخدا معه، فقضى دهخدا بسبب ذلك سنتين في أوروبا وبخاصة في فيينا عاصمة النمسا، وهناك أكمل الفرنسية ومعارفه الحديثة.
كانت عودة دهخدا لإيران بعيد اعلان الدستور، فأصدر بالتعاون مع قاسم خان جريدة باسم " صور إسرافيل ". وقد كان ألطف ما في تلك الجريدة الزاوية الفكاهية التي يكتبها دهخدا بعنوان (چرند پرند) - اي ثرثرة - ويوقعها بامضاء (دخو)، فقد كان الأسلوب جديدا فتح بابا لمدرسة جديدة في الفن الصحافي وفي النثر الفارسي المعاصر، وكان يضمن تلك المقالات موضوعات انتقادية وسياسية بأسلوب فكاهي. فلما ألغى الشاه محمد علي الدستور وعطل المجلس النيابي (3) نفي دهخدا مع مجموعة من أنصار الدستور إلى أوروبا.