بات الحبيب منادمي * والسكر يصبغ وجنتيه ثم اغتدى وقد ابتدأ * صنع الخمار بمقلتيه وهبت له عيني الكرى * وتعوضت نظرا اليه شكرا لاحسان الزمان * كما يساعدني عليه ومن شعره:
كم أقاسي لديك قالا وقيلا * وعدات تترى ومطلا طويلا جمعة تنقضي وشهر يولي * وأمانيك بكرة وأصيلا إن يفتني منك الجميل من الفعل * تعاطيت عنك صبرا جميلا والهوى يستزيد حالا فحالا وكذا ينسلي قليلا قليلا ويك لا تأمنن صروف الليالي * إنها تترك العزيز ذليلا فكأني بحسن وجهك قد * صاحت به اللحية الرحيل الرحيلا فتبدلت حين بدلت بالنور * ظلاما، وساء ذلك بديلا فكأن لم تكن قضيبا رطيبا * وكان لم تكن كئيبا مهيلا عندها يشمت الذي لم تصله * ويكون الذي وصلت خليلا وله:
رأيت الهلال ووجه الحبيب * فكانا هلالين عند النظر فلم أدر من حيرتي فيهما * هلال الدجى من هلال البشر ولولا التورد في الوجنتين * وما راعني من سواد الشعر لكنت أظن الهلال الحبيب * وكنت أظن الحبيب القمر وذكر الخطيب في تاريخ بغداد، ما مثاله: حكى أبو محمد عبد الله بن محمد الأكفاني البصري، قال: خرجت مع عمي أبي عبد الله الأكفاني الشاعر، وأبي الحسين بن لنكك، وأبي عبد الله المفجع، وأبي الحسن السماك، في بطالة عيد، وأنا يومئذ صبي أصحبهم، فمشوا حتى انتهوا إلى نصر بن أحمد الخبز أرزي، وهو جالس بخبز على طابقه، فجلست الجماعة عنده يهنونه بالعيد، ويتعرفون خبره، وهو يوقد السعف تحت الطابق، فزاد في الوقود، فدخنهم، فنهضت الجماعة عند تزايد الدخان، فقال نصر بن أحمد لأبي الحسين بن لنكك: متى أراك يا أبا الحسين؟ فقال له أبو الحسين: إذا اتسخت ثيابي، وكانت ثيابه يومئذ جددا على أنقى ما يكون من البياض للتجمل بها في العيد، فمشينا في سكة بني سمرة، حتى انتهينا إلى دار أبي أحمد بن المثنى، فجلس أبو الحسين ابن لنكك، وقال: يا أصحابنا إن نصرا لا يخلي هذا المجلس الذي مضى لنا معه من شئ يقوله فيه، ويجب أن نبدأه قبل أن يبدأنا، واستدعى دواة وكتب:
لنصر في فؤادي فرط حب * أنيف به على كل الصحاب أتيناه فبخرنا بخورا * من السعف المدخن للثياب فقمت مبادرا وظننت نصرا * أراد بذاك طردي أو ذهابي فقال: متى أراك أبا حسين؟ * فقلت له: إذا اتسخت ثيابي وأنفذ الأبيات إلى نصر، فأملى جوابها، فقرأناه فإذا هو قد أجاب:
منحت أبا الحسين صميم ودي * فداعبني بألفاظ عذاب أتى وثيابه كقتير * شيب فعدن له كريعان الشباب ظننت جلوسه عندي لعرس فجدت له بتمسيك الثياب فقلت: متى أراك أبا حسين؟ * فجاوبني: إذا اتسخت ثيابي فإن كان الترفه فيه خير * فلم يكنى الوصي أبا تراب وحكى الخالديان الشاعران المشهوران في كتاب الهدايا والتحف " أن الخبز أرزي أهدى إلى ابن بزداد والي البصرة فصا، وكتب معه:
أهديت ما لو أن أضعافه * مطرح عندك ما بانا كمثل بلقيس التي لم يبن * إهداؤها عند سليمانا هذا امتحان لك إن ترضه * بان لنا أنك ترضانا نصير الدين أبو الحسن ناصر بن مهدي العلوكي الحسني المازندراني الوزير ذكره ابن الطقطقي في تاريخه قال: هو مازندراني المولود الأصل، رازي المنشأ، بغدادي التدبير والوفاة، كان من كفاة الرجال وفضلائهم وأعيانهم، وذوي الميزة منهم، اشتغل بالآداب في صباه فحصل منها طرفا صالحا ثم تبصر بأمور الدواوين ففاق فيها.
وكان في ابتداء أمره ينوب عن النقيب عز الدين المرتضى (1) القمي نقيب بلاد العجم كلها ومنه استفاد قوانين الرئاسة. وكان عز الدين النقيب من أماجد العالم وعظماء السادات، فلما قتل النقيب عز الدين، قتله علاء الدين خوارزمشاه (2) هرب ولده النقيب شرف الدين محمد وقصد مدينة السلام مستجيرا بالخليفة الناصر، وصحبته نائبه نصير الدين ابن مهدي. وكان (ابن مهدي) من عقلاء الرجال فاختبره الناصر فرآه عاقلا لبيبا سديدا فصار يستشيره (كذا) سرا فيما يتعلق بملوك الأطراف فوجد عنده خبرة تامة بأحوال السلاطين العجم ومعرفة بأمورهم وقواعدهم وأخلاق كل واحد منهم، فكان الناصر كلما استشار به في شئ من ذلك يجده مصيبا عين الصواب فاستخلصه لنفسه ورتبه أولا نقيب الطالبيين ثم فوض إليه أمور الوزارة، فمكث فيها مدة تجري أموره على أتم سداد، وكان كريما وصولا عالي الهمة شريف النفس. حدث عنه أنه كان يوما جالسا في دست الوزارة وفي يده قطعة عود كبيرة، فرأى بعض الصدور الحاضرين وهو يلح بالنظر إليها. فقال: أ تعجبك هذه، فدعا له. فوهبه إياها. وقام الرجل ليخرج، فلما بعد عن مجلس الوزير استدعاه بسرعة وقال له: أتريد أن تفضحنا وتصدق المثل فينا (بخره عريانا)؟! ثم أمر فخلع عليه ودفع إليه تخت ثياب وقال له: تبخر في هذه الثياب. ومدحه الأبهري الشاعر الأعجمي بقصيدة مشهورة في العجم.. وأرسلها الأبهري صحبة بعض التجار مع بعض القفول وقال للتاجر: أوصلها إلى الوزير وإن قدرت أن لا تعلمه من قائلها فافعل فلما عرضت القصيدة على الوزير استحسنها وطلب التاجر ودفع إليه ألف دينار ذهبا وقال: هذه تسلمها إلى الأبهري ولا تعلمه ممن هي.
وقبض الناصر عليه كارها لأمور اقتضت ذلك وكان القبض عليه في سنة أربع وستمائة، ونقل إلى دار الخلافة فأقام بها تحت الاستظهار على حالة الإكرام والمراعاة إلى أن مات تحت الاستظهار في سنة سبع عشرة وستمائة ". وذكره السيد ابن عنبة في عقب زيد بن الحسن - ع - قال: " ومنهم زيد بن حمزة بن محمد ". من ولده الوزير أبو الحسن ناصر بن مهدي بن حمزة بن محمد بن حمزة (بن) مهدي بن الناصر بن زيد المذكور، الرازي المنشأ المازندراني المولد. ورد بغداد بعد قتل السيد النقيب عز الدين يحيى بن محمد الذي كان نقيب الري وقم وآمل - وهو من بني عبد الله الباهر وكان محمد بن النقيب المذكور معه، وكان الوزير ناصر (3) فاضلا محتشما حسن الصورة، مهيبا فوضت إليه النقابة