والذي أراه أن الرجل معتبر الحديث، لما يبدو من مجموع أخباره وأحواله من انقطاعه إلى أهل البيت عليهم السلام، واختصاصه بهم و نصرته لهم وتعاطفه معهم، وكونه مأمونا على أسرارهم، وكذلك وقوعه في طريق كثير من الروايات - وكلها خالية مما يوجب القدح فيه - فهذا كله مدعاة إلى الاطمئنان به، ولو التزمنا بكفاية عدم القدح في الراوي لاعتبار حديثه من دون حاجة إلى معرفة وثاقته بالخصوص، كما هو مذهب القدماء لكان الرجل معتمد الحديث بلا ريب.
كتابه هو صاحب كتاب (تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام) ومن ميزة هذا الكتاب احتواؤه على أسماء شهداء لم يذكروا في موضع آخر، واحتواؤه على آثار وروايات وتفصيلات، مما يرفع من قيمته العلمية والتاريخية.
القاسم بن الحسين بن معية مر ذكره في المجلد الثامن الصفحة 438 ونضيف إلى ما ذكر هناك ما يلي:
قال فيه صاحب عمدة الطالب: كان جليل القدر شاعرا، ولم يل جلال الدين القاسم بن الحسين صدارة وامتنع، وكان أبوه على قاعدة أبيه صدرا نقيبا بالفراتية فعزل عن النقابة.
ومن شعره قوله:
تقاعست دون ما حاولته الهمم ولا سعت بي إلى داعي الندى قدم ولا امتطأت جوادا يوم معركة وخانني في الورى الصمصامة الخذم ولا بلغت من العلياء ما بلغ الآباء قبلي ولا أدركت شأنهم ان كنت رمت سلوا عن محبتكم أو كنت يوما بظهر الغيب خنتكم فما الذي أوجب الهجران لي فلقد تنكرت منكم الأخلاق والشيم أذاك من بخل بالوصل أم ملل أم ليس يرعى لمثلي عندكم ذمم وله:
ومن العجائب أن قلبي يشتكي * ألم الفراق وأنتم بمكانه القاسم بن حبيب بن مظاهر.
تنازع في قتل حبيب بن مظاهر يوم كربلاء كل من بديل بن صريم والحصين بن تميم. فقال الحصين لبديل اني شريكك في قتله، فقال بديل والله ما قتله غيري، فقال الحصين أعطني رأسه أعلقه في عنق فرسي كيما يرى الناس ويعلموا اني شركت في قتله ثم خذه أنت بعد فامض به إلى عبيد الله بن زياد فلا حاجة لي فيما تعطاه على قتلك إياه، فأبى عليه، فاصلح قومه فيما بينهما على هذا، فدفع إليه رأس حبيب بن مظاهر، فجال به في العسكر قد علقه في عنق فرسه، ثم دفعه بعد ذلك إليه. فلما رجعوا إلى الكوفة أخذ الآخر رأس حبيب فعلقه في لبان فرسه، ثم أقبل به إلى ابن زياد في القصر، فبصر به القاسم بن حبيب وهو يومئذ قد راهق، فأقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل دخل معه وإذا خرج خرج معه، فارتاب به فقال ما لك يا بني تتبعني؟ قال: لا شئ، قال: بلى أخبرني. قال له: إن هذا الرأس الذي معك رأس أبي أفتعطينيه حتى أدفنه؟ قال: يا بني لا يرضى الأمير أن يدفن، وأنا أريد أن يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا. قال له الغلام: لكن الله لا يثيبك على ذلك إلا أسوأ الثواب، أما والله لقد قتلته خيرا منك، وبكى. فسكت القاسم حتى إذا أدرك لم يكن همه إلا اتباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرة فيقتله بأبيه. فلما كان زمان مصعب بن الزبير، وغزا مصعب باجميرا دخل عسكر مصعب، فإذا قاتل أبيه في فسطاطه، فاقبل يختلف في طلبه والتماس غرته، فدخل عليه وهو قائل نصف النهار، فضربه بسيفه حتى برد. (1) قيس بن عبد الله النابغة الجعدي قيل اسمه حيان بن قيس بن عبد الله وهو الذي صححه أبو الفرج في الأغاني وقيل اسمه قيس بن عبد الله وقيل اسمه عبد الله.
مرت ترجمته في الصفحة 260 من المجلد السادس باسم (حيان). وقد تحدث خليل إبراهيم العبطة عن ديوانه في العدد 47 من السنة الخامسة من مجلة (المكتبة) (تموز 1965) فقال بعد أن ذكر أنه توفي سنة 70 في حين ذكر في ترجمته في المجلد السادس أنه توفي حوالي سنة 65، وبعد أن ذكر كذلك أنه أحد شعراء الطبقة الثالثة الفحول عند ابن سلام:
لقي شعره عناية من الأقدمين فائقة فرووه ونقدوا عليه واستشهدوا به، ولكن الأيام جارت على ديوانه فلم نجد له اثرا على ما بذلنا من جهد رغم أن جمهرة من العلماء الثقات جمعوا متفرق شعره في دواوين مستقلة: كالأصمعي (216) وابن السكيت (243) والسكري (275) وثعلب (290) وابن الأنباري (328) وغيرهم.
بل أن أبا بكر بن خير الأشبيلي (575) يذكر في (فهرسته) باب " تسميته كتب الشعر وأسماء الشعراء التي وصل بها أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي إلى الأندلس " ما حرفه: " وشعر النابغة الجعدي تام في خمسة اجزاء قرأته على نفطويه ". ويفيدنا هذا الخبر بأنه أول إشارة إلى حجم الديوان وان كان لا يخلو من غموض، ولم يشر ابن النديم (385) في فهرسته إلى شئ من ذلك.
ولكن أين الدواوين التي جمعها أولئك العلماء؟ لقد صارت اثرا بعد عين وضاعت في خضم الأيام. وهذا الحاج خليفة (1067) صاحب (كشف الظنون) لا يعرف عنه شيئا بدلالة عدم ذكره في مادة (علم الدواوين) واكتفى بإشارة غامضة لا تغني ولا تنقع الغلة ذكرها في المجلد الثاني من مصنفه الآنف الذكر في مادة (كتب الاشعار) قائلا " شعر النابغة وامرئ القيس وزهير والجعدي ولبيد - جمعه أبو سعيد الحسن بن الحسن السكري النحوي المتوفى سنة 75 ". اه.
وليس في النص المذكور ما يدل على معرفة الحاج خليفة بديوان الجعدي ولو كان رآه أو سمع عنه لترجم له كمألوف عادته.
وقد كنت استقرأت أغلب فهارس المخطوطات العربية فألفيت أن في معهد