وراء مهارته الضاحكة استخفاف بجوانب الواقع الذي منعه من اطلاق مواهبه وقد اتسع نطاق الاستخفاف هذا ليشمل بعض ما في الذهن من مقدسات كان لا مباليا مع موته، مستخفا به. الأشهر الأخيرة من حياته قضاها في المرض. كان يصاب بالغيبوبة وحوله الناس في حزن عميق كل واحد منهم يذرف دمعة بصمت وفي مثل هذا الجو من كآبة الحاضرين يصحو من الغيبوبة ليروي لهم نكتة تضحكهم. كان زائروه ينظرون إلى اعراض مرضه بخشوع ومهابة وبتأمل عميق بالحياة والموت فيشرد واحدهم إلى حيث يذهب به الخيال، وحده عبد المطلب كان دائم الابتسامة بل دائم الضحك على ما يظهر عليه من أعراض.
في مجال الشعر قلنا: لا يتقن الشعر إلا من كان قابضا على عدة الشعر وأدواته ممتلكا لمفاهيمه مستندا إلى وضوح موقفه... وفي مجال الفكاهة نقول:
لا يتقن الضحك والمرح والنكتة كعبد المطلب إلا من كان قابضا على أدوات الفرح من الذكاء الحاد وسرعة البديهة ودقة الملاحظة وبلوع الجرأة والعبث المفرط الذي يفتش عن الحقيقة فيما وراء الحقيقة، ويقابل بالنكتة من يلتقيهم أيا كان موقعهم ورتبتهم من ستالين إلى تشرشل إلى زملائه وأصدقائه وندمائه ورؤسائه ومرؤوسيه وكافة الفئات الشعبية التي كان يرتاح إليها أكثر من ارتياحه للآخرين.
وطرائفه لا تحصى ومزاحه لا يتوقف والحوادث التي تروى عنه وعن فنونه في الضحك كثيرة منها حادثة مع ستالين ومولوتوف.
وحادثة مع الشيخ هاشم الرفاعي في الكويت.
وحادثة مع السفير الأميركي في موسكو.
وآلاف الحوادث الأخرى التي نعتبرها مجتمعة أهم ما في شخصية عبد المطلب. فبواسطة هذا الأسلوب الطريف الفكاهي المرح ترجم عبد المطلب مواهبه وأخرجها إلى الناس وبها ادخل إلى القلوب فرح اللقاء به وبهجة التعرف عليه شاعرا وقاضيا ودبلوماسيا وناقدا وصحافيا ومحدثا...
الشيخ عبد المهدي مطر ابن الشيخ عبد الحسين ولد في النجف الأشرف سنة 1900 م وفيها نشا ودرس حتى غدا علما من أعلامها علما وأدبا وشعرا. وكان على جانب كبير من طيب الذات وحسن المعشر وكرم الخلق.
كان من الأعضاء العاملين في جمعية منتدى النشر في النجف منذ إنشائها، وتولى تدريس النحو في كلية الفقه.
هو إلى جانب علمه الجم في الفقه والأصول والحديث والتفسير والنحو، في الطليعة من شعراء العرب المبدعين في هذا العصر، ولكن محيطه الضيق وظروف حياته وابتعاده عن توسل وسائل الأعلام وغير ذلك، حرم الأمة العربية من وصول شعره إلى كل وسط من أوساطها وحصره في نطاق ضيق لم يتعده فضاع اسمه في الضوضاء الفارغة التي تحيط بالأسماء الفارغة، ومن المؤسف أن ديوانه ظل مخطوطا لم يطبع، والله وحده يعلم إلى أي مصير سيصير. ولم يصلنا من شعره إلا هذا القليل الذي يراه القارئ فيما يلي. وقد طبع من مؤلفاته كتاب (دراسات في قواعد اللغة العربية) في أربعة أجزاء.
من شعره:
قال وأنشدها يوم الاحتفال بافتتاح الباب الذهبي الذي أهداه بعض الإيرانيين لمقام أمير المؤمنين في النجف سنة 1373:
ارصف بباب علي أيها الذهب * واخطف بابصار من سروا ومن غضبوا وقل لمن كان قد أقصاك عن يده * عفوا إذا جئت منك اليوم اقترب لعل بادرة تبدو لحيدرة * أن ترتضيك لها الأبواب والعتب فقد عهدناه والصفراء منكرة * لعينه وسناها عنده لهب ما قيمة الذهب الوهاج عند يد * على السواء لديها التبر والترب ما سره أن يرى الدنيا له ذهبا * وفي البلاد قلوب شفها السغب ولا تضجر أكباد مفتتة * حتى يذوب عليها قلبه الحدب أو يسقط الدمع من عيني مولهة * أجابها الدمع من عينيه ينسكب تهفو حشاه لأنات اليتيم بلا * أم تناغي ولا يحنو عليه أب هذي هي السيرة المثلى تموج بها * روح الوصي وهذا نهجه اللحب فاحذر دخول ضريح أن تطوف به * إلا باذن علي أيها الذهب باب به ريشة الفنان قد لعبت * فأودعته جمالا كله عجب تكاد لا تدرك الأبصار دقته * مما تماوج في شرطانه اللهب كأن لجة أنوار تموج به * خلالها صور الرائين تضطرب سبائك صبها الابداع فارتسمت * روائع الفن فيها الحسن منسكب يدنو الخيال لها يوما لينعتها * وصفا فيرجع منكوسا وينقلب أدلت بها يد فنان منمقة * تعنو لروعتها الأجيال والحقب ملء الجوانح ملء العين رهبتها * ومربض الليث غاب ملؤه رهب يا قالع الباب والهيجاء شاهدة * من بعد ما طفحت كأس بمن هربوا بابان لم ندر في التبريح أيهما * أشهى إليك حديثا حين يقتضب باب من التبر أم باب يقومه * مسماره وجذوع النخل والخشب هذا يشع عليه التبر ملتهبا * وذاك راح بنار الحقد يلتهب وأي داريك أحرى أن نطوف بها * وأن تجللها الأستار والحجب دار تحج بها الدنيا لمجدك أم دار عليك بها العادون قد وثبوا هذي تدال بها للحق دولته * زهوا وفي تلك فئ الحق يغتصب حتى إذا جاءت الدنيا مكفرة * عما جنته وجاء الدهر يتهب شادت عليك ضريحا تستطيل على * هام السماء به الأعلام والقبب وتلك عقبى صراع قد صبرت له * وذا فديتك مظلوما هو الغلب بلغ معاوية عني مغلغلة * وقل له وأخو التبليغ ينتدب قم وانظر العدل قد شيدت عمارته * والجور عندك خزي بيته خرب تبني على الظلم صرحا رن معوله * بجانبيه وهدت ركنه النوب أبت له حكمة الباري بصرختها * أن لا يخلد مختال ومرتكب قم وانظر الكعبة العظمى تطوف بها * حشد الألوف وتجثو عندها الركب تأتي له من أقاصي الأرض طالبة * وليس إلا رضا الباري هو الطلب قل للمعربد حيث الكأس فارغة * خفض عليك فلا خمر ولا عنب سموك زورا أمير المؤمنين وهل * يرضى بغير (علي) ذلك اللقب هذا هو الرأس معقود لهامته * تاج الخلافة فاخسا أيها الذنب